أقلام حرة

الانسحاب الأميــركـي

حمادة فراعنة

لم تعد مصالح الولايات المتحدة الأربعة في منطقتنا العربية في حالة الخطر: النفط، المستعمرة، السوق والمال: أولاً النفط لم يعد السلعة الفريدة المؤثرة على توفير الطاقة، فالغاز والشمس والصخر الزيتي باتت مصادر مهمة أفقدت النفط تفرده، وبات منتشر الانتاج في مناطق عديدة من العالم.

ثانياً كسرت المستعمرة الإسرائيلية حواجز الخوف والقلق من أطراف معادية، فقد تم تدمير العراق وسوريا وليبيا واليمن، وضعفت الأطراف الأخرى، ولم يعد بلداً عربياً واحداً يرفع شعار العداء للمستعمرة، رغم تعاطف أغلبيتهم مع فلسطين وإنحيازهم لها، وانكسر جدار المقاطعة وبات التطبيع سائداً.

المستعمرة هي التي تُسبب القلق لأنظمة العرب، والنظام العربي على أغلبه يتطلع لوساطة تل أبيب لدى مؤسسات صنع القرار الأميركي أسيرة نفوذ المستعمرة وأدواتها الانتخابية والتنفيذية في واشنطن.

ثالثاً بسبب النهوض الاقتصادي، وعدد السكان الكبير، والتمتع بفرص الاستهلاك، في بلدان شرق آسيا: الصين، اليابان، الهند، الباكستان، ماليزيا، اندونيسيا وغيرها، باتت لها الأولوية في الاهتمامات الأميركية سياسة واقتصاداً وأمناً، ولم يعد السوق العربي المحدود والمصاحب للأزمات والحروب البينية موضع الاهتمام الأميركي وأولويته.

رابعاً خيار الأثرياء العرب وبلدانهم وضع مخزونهم المالي في البنوك والمؤسسات الأميركية، ولا يوجد ما هو بديل لنقل هذه الأموال، إضافة لم يعد هناك صراعاً على المستوى الدولي تجعل من العالم العربي، مركز الاهتمام، للحفاظ على المصالح في مواجهة تكتلات سياسية أو أمنية كما كان الوضع خلال الحرب الباردة في مواجهة الشيوعية والاشتراكية والاتحاد السوفيتي ومن يتحالف معه أو يسير في ركبه.

لهذا كله لم تعد منطقة العالم العربي والشرق الأوسط، لهما الأولوية في الاهتمامات الاستراتيجية للولايات المتحدة، وانزاح الاهتمام الأميركي علنياً نحو منطقتي شرق ووسط آسيا، وبات الاهتمام الأميركي نحو إفريقيا وأميركا اللاتينية، أكثر اهتماماً وخصوصية لدى عناوين التركيز الأميركي، من الاهتمام عما يجري في منطقتنا.

كما أن إعطاء الأولوية لشعار أميركا أولاً، له دلالات قوية في وضع الاعتبار مما يُؤثر مباشرة على الوضع الداخلي للشعب الأميركي، وقد أفقدت اخفاقات الولايات المتحدة وخسائرها في أفغانستان والعراق، قيمة تدخلاتها ودفعت نحو علو الإدراك أن مغامرات أميركا وتدخلاتها خارج حدودها، لم تعط النتائج والانعكاسات الإيجابية على مصالح الولايات المتحدة وحمايتها وتعزيزها. لم تُهزم الولايات المتحدة لا في العراق ولا في أفغانساتان، بل حققت الدمار للشعبين والخراب للبلدين.

الإنسحاب الأميركي من أفغانستان وتقليل حضوره في العراق حظي بالإجماع الأميركي، وليس له ما يُعارضه، بل إذا حصل ذلك، فهو من باب المناكفة الحزبية والسياسية، فقد اُتخذ القرار في عهد ترامب الجمهوري ونفذه عهد بايدن الديمقراطي، ونحن نتلهى في قراءة النتائج والبحث عن الأسباب والدوافع، ولا زلنا أسرى عدم القدرة على اختيار الأولويات التي تضمن لنا الكرامة والاستقلال والاعتماد على الذات وليس على الآخر.

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!