أقلام حرة

انتصار القدس


حمادة فراعنة

أحبط المقدسيون بانتفاضتهم وشجاعتهم وتضحياتهم، أحبطوا احتفالات الإسرائيليين يوم الاثنين 10 أيار بـ”ضم القدس” و”توحيد القدس” و”تحرير القدس” و”جعل القدس عاصمة لمستعمرتهم”، وفق الأجندة العبرية، وأثبت المقدسيون :1-أن القدس الشرقية جزء من خارطة فلسطين، 2-وأنهم أهلها وسكانها، وأنهم جزءاً وامتداداً لشعبهم الفلسطيني.
ما جرى يوم الاثنين 10 أيار 2021، تتويجاً لما قبله من صدامات، ولما بعده من تداعيات.
في 5 حزيران 1967 تم احتلال القدس وما تبقى من فلسطين، وفي 20 حزيران 1980 قررت الكنيست الإسرائيلي رسمياً ضم القدس الشرقية إلى خارطة المستعمرة، وفي 1995 طالب الكونغرس الأميركي بالاعتراف بالضم الإسرائيلي لكامل خارطة القدس باعتبارها عاصمة للمستعمرة، ولكن لم يجرؤ رئيس أميركي تنفيذ قرار الكونغرس، في 6/12/2017 أعلن الرئيس الأميركي المهزوم ترامب إعترافه بالقدس الموحدة عاصمة للمستعمرة الإسرائيلية، ونقل سفارة بلاده من تل أبيب إلى القدس.
حكومة المستعمرة الإسرائيلية عملت على التجاوب مع القرار الأميركي، أن القدس الموحدة عاصمة لمستعمرتهم، عبر إلغاء أي مظهر من مظاهر السيادة الفلسطينية، وكذلك الوصاية الهاشمية والرعاية الأردنية للمقدسات الإسلامية والمسيحية.
حكومة المستعمرة وأدواتها نظموا مسيرة الاعلام الإسرائيلية، وحشدوا طلاب المدارس والجامعات، والنقابات ونشطاء  المنظمات الصهيونية بمناسبة “يوم تحرير القدس” يوم الاثنين 10 أيار 2021 حسب التوقيت العبري، ولكن لسوء حظهم أن ذلك وقع في شهر رمضان، وفي العشر الأواخر من الشهر الفضيل، وثاني يوم ليلة القدر “خير من الف شهر”، وتهيأ الفلسطينيون لليوم الموعود، وحشد المقدسيون أنفسهم ليكون يوم الاثنين 10 أيار التعبير عن فلسطينيتهم هوية وأرضاً وتطلعاً، ووقع الصدام غير المسبوق بمظاهره الحادة العنيفة، ذلك لأن هذا اليوم له مغزى وقيمة وأهمية تاريخية لتسجيل القدس هل هي إسرائيلية كما تعمل حكومات المستعمرة على أسرلتها وعبرنتها وتهويدها؟؟ أم هي فلسطينية عربية إسلامية مسيحية الواقع والهوية والانتماء؟؟.
أحبط المقدسيون للإسرائيليين احتفالاتهم، ونجحوا في توصيل الرسالة، أن القدس ليست إسرائيلية، بل هي فلسطينية تقع تحت سلطة الاحتلال، ودفعوا الثمن بالمواجهة والتضحية والصمود، ولكن التداعيات لم تتوقف عند هذا الحد بل تجاوز لما هو أعمق وأهم وأبعد:
أولاً جاءت مشاركة جماهير الشعب العربي الفلسطيني في مناطق 48، أبناء الجليل والمثلث والنقب ومدن الساحل الفلسطيني المختلطة مشاركة عملية فاعلة باتجاهين أولهما بتدفق الآلاف منهم عبر الحافلات وسياراتهم إلى القدس، رغم كل محاولات الأمن الإسرائيلي وضع العراقيل لمنع وصولهم إلى القدس، وثانيهما المسيرات والمظاهر التضامنية في المدن والقرى العربية الفلسطينية في مناطق 48، مع رسالة أهل القدس، وانتفاضتهم، ومظاهر احتجاجية لما تفعله سلطات الاحتلال من اقتحامات للمسجد الأقصى، وبرز ذلك جلياً ليس فقط لدى المدن العربية، بل لدى المدن المختلطة في حيفا وعكا ويافا والرملة وفي اللد بشكل خاص انتفض سكانها من العرب الفلسطينيين لأول مرة منذ عام 1948 لأنهم اقلية في مدينتهم، وعبروا عن ذلك بإنزال العلم الإسرائيلي، ورفع العلم الفلسطيني وسقوط الشهيد موسى حسونة في المواجهة مع الأمن الإسرائيلي، وهي إضافة نوعية لتاريخ شهداء أبناء فلسطين من مناطق 48 بدءاً من: شهداء مجزرة كفر قاسم في 26 تشرين أول 1956، شهداء معركة يوم الأرض 30 آذار 1976، شهداء انتفاضة الأقصى في الأول من شهر تشرين اول أكتوبر 2000، وها هي اللد تسجل يوم 10 أيار 2021 شراكتها وتضحياتها وتقديم شهيداً من عائلة حسونة اللداوية الأصيلة ثمناً لخيار الإنحياز إلى فلسطين وهويتها وماضيها وحاضرها ومستقبلها، وهو إنحياز نوعي له دلالات وتداعيات ويحتاج لقراءة والتوقف أمام أهميته.
ثانياً مشاركة فصائل المقاومة الفلسطينية من قطاع غزة بهذا الزخم من التدخل المبرر، رغم التباينات في تقييم الموقف وكيفية المشاركة، ولكن المعطيات الضاغطة على فصائل المقاومة أنها لا تستطيع البقاء في مظاهر الصمت والمراقبة لما يجري في القدس، فكانت المشاركة الايجابية، فاعلة بكل المقاييس، واتسعت دائرة النتائج لتكون كما يجب، مواجهة أشمل من واقعة القدس، بعد أن نجح المقدسيون في هدفهم وفرضوا حضورهم وسجلوا نتائج سياسية في غاية الأهمية على الطريق الطويل، طريق استعادة الشعب الفلسطيني حقوقه في المساواة والاستقلال والعودة بشكل تدريجي متعدد المراحل.

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!