أقلام حرة

لغة الأعلام بين الفصحى والعامية

سلمان الحنيفات

في البداية لا بد من طرح سؤال مهم حول قضية الفصحى والعاميات في الإعلام الاذاعي والتلفزيوني على وجة التحديد لان الفصحى في الصحف المطبوعة لم تزل لغة مهيمنة حتى اليوم ,فنلاحظ ذلك من خلال المواد المنشوره على هذه الصحف وكمية جمال اللغة السليمة بين السطور.

لماذا اقترن ظهور وتطور وسائل البث الالكتروني بجنوح اللغة الإعلامية الى الاستعانة بالعاميات في العديد من موادها ولماذا تشهد الفصحى تراجعاً مطرداً في جميع البرامج الاذاعية والتلفزيونية بأستثناء البرامج الاخبارية التي لم تسلم هي الاخرى من غزو العاميات .

ان طبيعة الوسائل التي ينبعث منها الصوت الانساني والتي قرنت هذا الصوت بالصورة المتحركة والملونة والتي اخترقت المكان والزمان قد صنعت جمهورآ إعلامياً يحتوي شرائح أٌمية وشبة أُمية أبجدياً ومعرفياً وثقافياً مما جعل الفصحى تشكل حائلاً اصطلاحياً وتواصلياً وتأثيرياً لا يمكن تخطية إلا باللجوء الى العاميات التي تضفي على عملية الاتصال للاعلام المسموع والمتلفز وضحا وحميمية وفعالية تحقق الاهداف الجوهرية للاعلام الجماهيري .

هناك من يعتقد ان محاولة تسييد العاميات في الاذاعة والتلفزيون ينطوي على مؤامره يحيكها أعداء العرب والمسلمين لتبديد اللغة العربية الفصحى التي تعد عاملاً تاريخياً وتراثياً اساسياً في دفع العالمين العربي والاسلامي نحو التوحيد والانصهار ,ولكن بعيد عن نظرية المؤامرة تتجه من طروحات اتكالية وذرائعية فأن ثمة محطات إذاعية وتلفزه عربية تتعمد ترويج العاميات على حساب الفصحى إنطلاقاً من خلفيات سياسية وفكرية وعقائدية مناوئة للاطر القومية والاسلامية بصوره عامة .

في هذا السياق لا بد للاشاره بان تمسك بعض الاوساط الثقافية والاكاديمية بحرفية اللغة العربية الى حد التعصب ورفض هذه الاوساط حتمية مواكبة اللغة للتطور والتقدم الثقافي في مجال الاتصال الجماهيري يدفع العديد من القائمين على الاعلام نحو التخلي التدريجي عن لغة فصحى تحتضن العديد من عناصر التخلف وتعجز بتركيبتها عن التقايس مع التطور الهائل الذي طرا على لغة الاعلام في جميع انحاء العالم , ولا شك بان المضامين الهابطة لبعض البرامج التلفزيزنية وخاصة في مجال الترفيه تحتم استخدام العاميات لأن اللغة الفصحى لا تتلاءم بطبيعتها مع هذا الضرب من ثقافات الترفية .

وكما قال محمود عباس العقاد العامية هي لغة الجهل وليست لغة الثقافة والاعلام وقد ميز العقاد بين اللغة الفصحى واللغة الصعبة التي لا يفهمها الا القليلون فيقول ” متى ما فرقنا بين الفصاحة والصعوبة ادركنا ان السهولة تتوافر للكلام الفصيح وتنفذ الى أسماع الجهلاء غير حائل بينها وبين النفاذ الى تلك الاسماع حركة الاعراب ولا صحة التركيب” ويحاول ايضآ وصف ما يجب ان تكون عليه لغة الاعلام فيقول ” ان اسباب التشعب والتفريغ كانت وفيرة في العصور الماضية ولم تكن الى جانبها اسباب للتوحيد والتقريب تضارعها في قوتها واثرها فتوافرت هذه الاسباب في العصر الحاضر بعد شيوع الصحافة والاذاعة والصور المتحركة وقوالب الحاكي المشهورة.

ان الاعلام الجماهيري بامكانياته وتقنياته قادر على تحديث اللغة العربية الفصحى وعصرنتها وجعلها لغة مالوفة مندمجة في الحياة اليومية حيث ان الاعلام الجماهيري ليس بحاجة للعاميات ليقوم بهذا العمل اذ ما عليه سوى الغوص في اعماق اللغة العربية واستخراج ما يلزمه لصناعة لغة اعلام حية متحركة تضاهي اكثر اللغات الاعلامية تقدماً مستخدماً اللغة العربية وقدراتها الفائقة على التاقلم والطاقات الكبيره التي تختزلها داخلها وإلزام الاعلاميين بالحديث بالفصحى وعدم التحدث بكلمات قد تنفي الجملة أو تغير المعنى اضافة الى توجيه الكوادر والهيئات التعليمية بالمدارس والكليات والجامعات للتعامل مع الطلبة باللغة الفصحى.

زر الذهاب إلى الأعلى

You cannot copy content of this page