أقلام حرة

غياب القدوة والقيادة التربوية في المدارس: خطر يهدد أمننا القومي، وهذا الحل !

كتب أ.د. محمد الفرجات

إن الاستثمار في الموارد البشرية هو الركيزة الأساسية لضمان استقرار الدولة وتقدمها، فالأمن القومي لا يُقاس فقط بالقوة العسكرية، بل يرتبط ارتباطًا وثيقًا بجودة التعليم وفعاليته في إعداد أجيال واعية، طموحة، وملتزمة. إلا أن التحديات التي تواجه النظام التعليمي اليوم، من غياب القدوة التربوية وضعف القيادة المدرسية، إلى تردي أوضاع المعلمين والبنية التحتية للمدارس، باتت تهدد مستقبل الوطن وأمنه.

الواقع المرير للمدارس والمعلمين:

تعاني المدارس اليوم من مشاكل بنيوية خطيرة، تشمل تجهيزات قديمة، وأبنية غير مؤهلة، وازدحام الفصول الدراسية، خصوصًا في المدارس ذات الفترتين، مما يرهق الطلاب ويقلل من جودة التعليم. لكن الأزمة الأكبر تكمن في المعلم، الذي يُفترض أن يكون القدوة والموجه أمام تلاميذه وطلابه، إلا أن أوضاعه المعيشية تجبره على العمل في أكثر من وظيفة، مثل التدريس الخصوصي أو أعمال أخرى كالطلبات والتوصيل، مما يستنزف طاقته ويؤثر على أدائه داخل الفصل، فتجده مستنزفا جسديا ونفسيا، فلا يستطيع دائما أن يكون المحفز والمحرك والمشجع والداعم والقائد والقدوة.

ونفسيا ولإرتباط الطالب والتلميذ يوميا ستة ساعات بمعلمه، فإما أن يكتسب منه الطاقة الإيجابية ونعد مواطنا قويا للمستقبل، أو أن يكتسب منه الطاقة السلبية لمدة 12 عام.

المواطن هو الشعب، والدولة هي الأرض والشعب والحكومة.

انعكاسات غياب القدوة على الأجيال الصاعدة:

عندما يفقد الطالب القدوة داخل المدرسة، يتراجع لديه الدافع للتعلم ويتحول التعليم من تجربة ملهمة إلى مجرد التزام روتيني. هذا الفراغ التربوي يوجد بيئة غير صحية تتسم بارتفاع نسب العنف بين الطلبة، والتعدي على المرافق المدرسية، وانتشار التدخين، فضلًا عن ظهور أجيال بلا هدف أو رؤية واضحة لمستقبلها. ومع تدني مستوى خريجي المدارس، يصل الطلاب إلى الجامعات وهم يعانون من ضعف أكاديمي واضح، مما يؤدي إلى تخرج أجيال غير مؤهلة لدخول سوق العمل، ويضعف القطاعات الإنتاجية والتعليمية على حد سواء.

تأثير تراجع التعليم على الأمن القومي:

إن استمرار هذا النهج من التدهور التعليمي يشكل تهديدًا مباشرًا للأمن القومي. فضعف الأجيال يؤدي إلى تراجع الإنتاجية، ويؤثر على قدرة الدولة على المنافسة عالميًا، ويزيد من معدلات البطالة والفقر، مما قد يولّد بيئة خصبة للجريمة والتطرف. كما أن غياب القدوة والقيادة التربوية يحرم المجتمع من قادة المستقبل في مختلف المجالات، ويؤدي إلى تفكك النسيج الاجتماعي وانهيار القيم الأساسية.

اين الحل؟ صندوق لدعم العملية التعليمية:

لمعالجة هذه الأزمة، لا بد من إنشاء صندوق وطني لدعم العملية التعليمية، يتلقى دعما من القطاع الخاص والحكومة والمنح من الدول الشقيقة والصديقة، ويكون مخصصًا لتحسين أوضاع المعلمين، وتأهيل المدارس وتحديثها، وتوفير بيئة تعليمية سليمة. يهدف هذا الصندوق إلى:

  1. تحسين أوضاع المعلمين: رفع رواتبهم ومنحهم الحوافز الكافية ليكونوا قادرين على التفرغ للتدريس بدلاً من البحث عن أعمال إضافية لسد احتياجاتهم.
  2. تعزيز بيئة المدرسة: تحديث البنية التحتية، وتقليل عدد الطلاب في الفصول، وضمان وجود بيئة آمنة ومحفزة على التعلم.
  3. إعادة الهيبة للمعلم كقدوة: تأهيل المعلمين نفسيًا ومهنيًا ليكونوا قدوة حقيقية للطلاب، مما يسهم في خلق أجيال مسؤولة وواعية.
  4. التصدي للعنف المدرسي: من خلال برامج توعية وإصلاح، تمنع العنف والتخريب والتدخين داخل المدارس، وتعيد إليها النظام والانضباط.

5- إيجاد إسكان وظيفي لكل المعلمين يعد أمر مهم وحيوي ومتطلب ملح جدا، ويساهم بالاستقرار النفسي للمعلم.

6- تمكين المعلمين من الحصول على قروض ميسرة وبلا أرباح، أمر يغني المعلم عن البنوك الربوية التي قد تجهز على راتبه الشهري.

الأمر المهم هو التفاهم مع وزارة الأوقاف لتوجيه بعض المحسنين ممن يرغبون ببناء المساجد لإمكانية بناء المدارس، للتغلب على نظام الفترتين والذي يرهق المعلمين والطلبة على حد سواء، وأن بناء المدارس التي تعلم الطلبة دينهم الحنيف والقرآن الكريم ولغتهم وعلوم الدنيا وتمكينهم، إنما هو من الاحسان وباب للأجر وصدقة جارية كالمساجد بإذن الله تعالى، والله تعالى أعلم (وهذا أمر يحتاج الفتوى به من أهل العلم).

إن إعادة الاعتبار للعملية التعليمية والمعلمين هو استثمار في مستقبل الوطن وأمنه. فالأمم العظيمة لا تنهض إلا بتعليم قوي يقوده معلمون قدوة، ويُدار بوعي ورؤية واضحة. فهل ننتظر حتى يصل التدهور إلى نقطة اللاعودة، أم نبدأ اليوم في بناء مستقبل أفضل لأبنائنا، ومستقبل أكثر أمنًا واستقرارًا لوطننا؟

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى