
الدبلوماسية السعودية لعبت دوراً فاعلاً ومحورياً وقد أثبت فعاليتها وحنكتها
المحامي الدولي/فيصل الخزاعي الفريحات
الرياض كانت قد شهدت زيارات في محطات مفصلية وأخرى أولية من قادة بارزين، كان من بينهم ترمب الذي إختار المملكة العربية السعودية كمحطته الأولى في عام 2017 معلناً بذلك إنطلاقة جديدة للعلاقات الأميركية ـــ السعودية، إلى جانب الرئيس السوري الجديد أحمد الشرع والمصري عبدالفتاح السيسي في أيام رئاسته الأولى ألتى سعى فيها إلى تعزيز التعاون الأمني والأقتصادي مع الرياض وكذلك جلالة الملك عبدالله الثاني حفظه الله ورعاه وصاحب السمو الملكي الأمير حسين ولي العهد المفدى، والآن يبرز أسم جوزاف عون كذلك أخيراً القائد العسكري اللبناني، الذي ينظر إليه كشخصية طامحة لدور سياسي أكبر، وسط الرهان على دعم سعودي لتعزيز موقفه، هذه الزيارات وغيرها تؤكد بأن إختيار الرياض ليس مجرد خطوة بروتوكولية، بل محاولة للأستفادة من ثقل المملكة العربية السعودية السياسي والأقتصادي في المنطقة العربية والإقليم ، لذلك أراد الرئيس الأميركي تكرار تجربة دورته الرئاسية الأولى، بهدف إعطاء الزخم للعلاقة مع الرياض المتنامي نفوذها الدولي في هذه الحقبة على مستويات عدة، في تحول أشهر ما عبر عنه أخيراً أختارتها روسيا وأميركا وأوكرانيا موقعاً لكتابة أول فصول إنهاء حرب أوكرانيا ألتي صارت أشبه بحرب كونية، وأعادت شبح المخاوف من حرب عالمية ونووية أفزع التهديد المتبادل بها كل العالم، وكان قد كسر ترمب بخطوته تلك للمرة الثانية عرفاً أميركياً قديماً، يقضي بأن يتخذ الرؤساء الأميركيون الجدد وجهتهم الخارجية الأولى، إما نحو جيرانهم الأقربين كندا، أو حلفاءهم الأقدمين في بريطانيا، وقبل ذلك كانت الزيارات المفصلية للملكة العربية السعودية من جانب قادة الصين وروسيا والعراق والخليج وأوروبا وأفريقيا والكاريبي وإيران والمنظمات الدولية والتحالفات العسكرية والأقتصادية في بضع سنين الأخيرة بحثاً عن “المفاتيح الضائعة” لحل كثير من النزاعات والبحث عن مكامن الفرص، وأن القيادة السعودية وعلى رأسها صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان أتخذت خطاً كان قد بات معه من الواضح بأنهم لا ينوون الحد من طموحاتهم في أن يصبحوا لاعباً أساساً في الدبلوماسية العالمية على كثير من الجبهات في مجال الترفيه والرياضة على وجه الخصوص، حتى وإن تطلب ذلك وفق قولها إنفاق مبالغ ضخمة من المال لتعزيز طموحاتها في أن تصبح لاعباً رئيساً على الساحة العالمية، ومع أن هذا النهج لا يروق لكثر ممن لا يتوقعون التحرك المستقل من جانب القوى الوسطى خارج القواعد المرسومة سلفاً حيث تؤكد المنصة البريطانية العريقة أن بين معالم الصعود الدبلوماسي الجديد للمملكة العربية السعودية بهدف تعزيز دورها، مصارحتها حتى الحلفاء الغربيين بأنها سوف تتبع مصالحها أولاً وقبل كل شيء، بما في ذلك إقامة علاقات أوثق مع الدول ألتى ينظر إليها على أنها منافس رئيس للولايات المتحدة الأمريكية، مثل روسيا والصين، وهذا ما قالت إن السعودية أقدمت عليه من دون تردد، فخلال أعوام بايدن مثلاً زادت المملكة من أبتعادها عن الإعتماد على الولايات المتحدة بإعتبارها حليفها الدولي الرئيسي،لكن هذا الإتجاه أنقلب في صالح السعودية لاحقاً، حيث كانت قد نأت الرياض بنفسها عن الصراع في أوكرانيا، الذي قسم العالم إلى نصفين، وتحملت الضغوط الكبيرة في سبيل الحفاظ على تماسك أسواق الطاقة من خلال تعزيز العلاقة في هذا الجانب مع موسكو على رغم الضغوط، وعملت على حلحلة القضايا العالقة في المنطقة ابتداءاً من اليمن والسودان وسوريا ولبنان، وذلك تأسيساً على خطابها القديم الذي أتسم بـ”المحافظة على الدول الوطنية ألتي كثيراً ما حاولت عناصر أو مجموعات مدفوعة بدوافع خارجية أو داخلية تقويضها”، وفي إطار حرص العاصمة الجميلة والمنظمة الرياض وألتي تشهد تطوراً سريعاً على دعم قوتها الناعمة وتأثيرها وثقة العالم بها، كانت قدسعت إلى الوقوف أمام محاولات القوى العالمية لمحو القضية الفلسطينية من خلال إتفاقات هامشية، وتحملت في سبيل ذلك كثيراً، وقامت بإصلاح العلاقات المتوترة مع إيران، لتفويت الفرصة على المتاجرة بالتهديد الإيراني، وقد أفضى ذلك إلى مقاربات مختلفة أعلت من لغة الحديث مع المملكة من واقع أنها أصبحت تدير شؤونها بمعزل عن الأجندات الخارجية، على الرغم من تموضعها بين الـ20 الكبار كقوة دولية صاعدة، وفي النهاية تبقى الرياض بتوجيهات مباشرة من صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان وجهة فرص نادرة من نوعها في عالم اليوم، لكن نجاح أي زيارة أولى وألتي قمت بها العام الماضي نحوها يعتمد على ما يليها من بناء ثقة وبرامج عمل، فالفرص موجودة لكنها ليست بلا شروط، والمملكة العربية السعودية ألتي تقود نهضة طموحة ومدروسة، ورؤية صاحب السمو الأمير محمد بن سلمان 2030 لن تقبل بأقل من شراكة جادة تناسب زخم مقاربتها الإقليمية والوطنية نحو الدفع بمزيد من الرخاء لمنطقةٍ تراها قيادة السعودية الحكيمة مؤهلة لأن تكون أوروبا الجديدة، على الرغم من التحديات والتهديدات المروعة، وعلى النحو الذي شهدت مثله سوريا أخيراً، ويبقى بأن هنك حماسة في المنطقة لإدارة ترمب الثانية، بسبب آمال تجديده النهج المحافظ ألتي ميز فترته الرئاسية الأولى، لذا ينبغي للإدارة الجديدة أن تغتنم الفرصة لإعادة ضبط العلاقة على أساس أكثر إستقراراً من خلال دعوة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان العودة إلى واشنطن، وأن ترمب خلال رئاسته الأولى كان قد جعل المملكة محوراً لسياسته الشرق أوسطية، مع تعزيز التعاون الإستراتيجي في مواجهة التحديات الإقليمية والدولية، وهناك من يرجح بأن السعوديين يتذكرون فترة ترمب على أنها لحظة أستثنائية أعادت الكرامة للعلاقة الثنائية، مقارنة بإدارتي أوباما وبايدن، وأن التغيير الذي يقوده ولي العهد المفدى محلياً وعربياً وإقليمياً ودولياً يمكن أن يشكل فرصة لأستعادة الزخم في العلاقات، خصوصاً في ملفات كالتطبيع مع إسرائيل ودفع السلام الإقليمي والأستقرار الدولي، ويبقى إختيار قادة الرياض وجهتهم الأولى بأنه نتاج جهد متواصل على كل الصعد، من ذلك التزام المملكة العربية السعودية الحياد في القضايا الدولية، والتزامها أيضاً عدم التدخل في شؤون الدول وعدم السعي إلى إستغلال الظروف ألتى تمر بها بعض الدول لتحقيق مصالح تضر بتلك الدول، كل ذلك رسم مساراً واضحاً للتعامل، وهنا تبرز شخصية ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان حفظه الله ورعاه كنقطة تحول في هذه المعادلة، فنهجه السياسي المعروف بالجدية والتركيز على المصالح الوطنية والعربية والإقليمية، لا يترك مجالاً كبيراً للشكليات، فالمملكة العربية السعودية تحت قيادته تتطلع إلى شراكات حقيقية تحقق أهداف رؤية 2030 وتعزز إستقرار المنطقة وهذا ما لمسته بزيارتي الأولى للعاصمة الجميلة الرياض، وليس مجرد زيارات رمزية تتلاشى آثارها مع الوقت وأتمنى أن تتكرر هذه الزيارات، هذا ما يجعل دبلوماسية الوجهة الأولى سلاحاً ذا حدين : فهي تفتح الأبواب أمام الزعماء الطامحين لتعاون وثيق، لكنها تظل رهينة إلتزام حقيقي ومتبادل، بعيداً من الشعارات أو النيات العابرة، وكانت قد بنت الرياض خطتها التنموية على ركائز من بينها إستثمار بعدها العربي والإسلامي وموقعها الجغرافي الحيوي مما يجعل تنشيط هذا النوع من الدبلوماسية في وقتها الحالي، نهجاً لا مجال فيه للإرتجال والعشوائية، بل جاءت وفقاً للدبلوماسي السعودي المخضرم وعميد الدبلوماسية السعودية عبدالرحمن الجديع لتعكس بشكل عام أهمية المملكة المتزايدة في العلاقات الدولية ودورها المحوري في تشكيل مستقبل المنطقة والنظام الدولي المعاصر، وموقعها كقوة إقليمية رئيسة في الشرق الأوسط في ظل مقاربة ولي العهد المفدى، وما يتمتع به من رؤية سياسية واضحة، عززت دور المملكة العربية السعودية كلاعب رئيس في السياسة والأقتصاد العالميين، مما يجعل زيارتها أمراً إستراتيجياً للزعماء الجدد، بالنظر إليها بوابة لتحقيق مكاسب على مختلف الصعد، بما في ذلك إرسال رسائل سياسية إلى دول أخرى في المنطقة أو العالم، وقبل إعلان ترمب زيارته السعودية كوجهة أولى كان قد قيل بأن أفضل طريقة يمكن بها أغتنام تلك الحماسة السعودية سياسياً، هو إعادة تكرار تجربة جعل السعودية محطة الرئيس الأولى مجدداً، فقد أرسل ذلك حينها إشارة إلى أنه ينظر إلى العلاقة بإعتبارها محوراً للسياسة الأميركية في العالم العربي، لافتة إلى أنه من المحتمل أن يكون هذا على جدول الأعمال مرة أخرى، بخاصة مع طرح ولي العهد المفدى إحتمال التطبيع مع إسرائيل والترويج بنشاط لمحادثات السلام الإقليمية من أجل حل الدولتين، وهو ما صدق عليه زعيم البيت الأبيض الذي حافظ على ود الرياض القديم وأجرى أول إتصال خارجي بعد توليه المنصب برجل السعودية القوي الأمير محمد بن سلمان الذي وصفه بـ الزعيم العظيم الذي يسعد بالعمل معه لإعادة السلام إلى المنطقة، ومع ذلك يحذر المراقبون من المبالغة في تقدير تأثير هذه الدبلوماسية إذا لم تترجم إلى خطوات عملية، طبعا تجارب سابقة، كزيارة جو بايدن للسعودية في 2022، أو حتى زيارة بشار الأسد ( الفار) كمحطة عربية أولى بعد عزلته، تكشف حدود هذا النهج لمن يظنونه خطوة كافية عن ترجمة التفاهمات الأولية إلى إتفاقات والتزامات سياسية جدية، ففي حال بايدن، لم تؤد الزيارة إلى أنفراجة كبيرة في العلاقات، إذ بقيت الخلافات حول سياسات الطاقة والملفات الإستراتيجية من دون وفاق إلا في وقت لاحق بعد سجالات ومباحثات شاقة، أما الأسد ( الفار ) إلى روسيا فلم ينجح في تحويل الزيارة إلى دعم سياسي وأقتصادي مؤثر، بسبب غياب الصدقية في معالجة القضايا الشائكة ألتى قطع للجامعة العربية التعهدات بالأستجابة لتحدياتها الإنسانية عبر تنفيذ إصلاحات سياسية شاملة، كان ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان قد أكد أثناء تقديمه خطة الرؤية ألتي راقب العالم تطبيقها عن كثب منذ يومها الأول ما بين مصدق ومكذب قبل أن يشهد مشاريعها رأي العين تتحدث عن نفسها، كان قد أكد بأن أنجح الرؤى هي تلك ألتى تبنى على مكامن القوة، وهي ألتي لخصها في مجالات قال إنها أثمن من البترول ألتى كثيراً ما ربط الساسة الدوليون تأثير الرياض به، فيما لفت صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان إلى أن مكامن القوة في بلاده يأتي على رأسها الحرمان الشريفان في مكة والمدينة، بوصفها قبلة أكثر من مليار مسلم، وهذا هو عمقنا العربي والإسلامي وهو عامل نجاحنا الأول، ويأتي بعد ذلك توافر البلاد على قدرات إستثمارية ضخمة، سنسعى إلى أن تكون محركاً لأقتصادنا ومورداً إضافياً لبلادنا، فضلاً عن موقع جغرافي إستراتيجي، جعله يعتبر المملكة العربية السعودية والتي أسست قبل ثلاثة قرون أهم بوابة للعالم بصفتها مركز ربط للقارات الثلاث، وتحيط بها أكثر المعابر المائية أهمية، وتظهر مكامن القوة الثلاثة تلك حجم تصميم الرياض على إنتزاع دورها العربي والإقليمي والدولي، على نحو يجعل إختيار زعماء العالم إياها محلاً لعقد التحالفات وجيهاً، فمن لم يقصدها للعامل الأول يستهدفها من أجل الثاني أو الثالث، على حين يطرق أبوابها كثر من أجلها مجتمعة، إذ حتى الدول غير الإسلامية والعربية، ألتي لا تهتم بالعامل الأول هي على ثقة بإمتلاك المملكة مفاتيح التأثير في مئات الملايين من المسلمين بمن فيهم أولئك الذين يعيشون في دول مجموعة السبع الكبار وأعضاء مجلس الأمن الدولي، بما يفيدهم ودول إقامتهم، وهكذا تكون قد شكلت الدبلوماسية منذ وقت مبكر من تاريخ البشرية إحدى أدوات الاتصال التي تبرهن بها الدول على مواقفها وأستراتيجياتها، فكانت البعثات والسفراء شرياناً تتدفق عبره دماء المصالح الذي يربط الممرات والحضارات بعضها ببعض، فهي أول ما تنسج به خيوط الروابط وأول ما يقطع إيذاناً بانفصام العرى، وأصبح إختيار العاصمة السعودية الرياض، وجهة أولى لزعماء الدول بعد توليهم مناصبهم، ظاهرة لافتة تحمل دلالات عميقة، غير أن أعلى تلك الوشائج هي ألتى ترتقي بالتواصل من السفراء إلى رؤوس الهرم في الدول، فمجرد تبادل السفراء بين الدول يعد رمزية بالغة التعقيد ترعاها ترسانة من المبادئ والقوانين الدولية نظير أهميتها، فما بالك بالإسناد المباشر بين الزعماء الذي يبلغ ذروة التفاهمات السياسية، لذلك تقاس حيوية العواصم والمدن في العالم بكثرة سياسيي الصف الأول والثاني المترددين على دهاليزها مثل نيويورك وباريس ولندن وبرلين وفيينا وبروكسل وأديس أبابا وهونغ كونغ، لإحياء التظاهرات الأممية والمحادثات الدولية فيها، تحت مظلة حكوماتها المحلية ألتي يستدعي منها ذلك جهداً متراكماً في السياسة والأقتصاد والأمن قبل أن تترسخ صورتها الأيقونية العابرة للقارات في عالم السياسة الدولية، أصبح إختيار العاصمة السعودية الجميلة والمنظمة الرياض، وجهة أولى لزعماء الدول بعد توليهم مناصبهم، ظاهرة لافتة تحمل دلالات عميقة، من دونالد ترمب إلى عبدالفتاح السيسي إلى جلالة الملك عبدالله الثاني حفظه الله ورعاه ومن أحمد الشرع إلى جوزيف عون وآخرين، بهدف إعطاء أولئك القادة لعلاقاتهم مع المملكة دفعة أستثنائية، مستفيدين من حساسية هذه الخطوة ألتي تعكس أولوية الرياض في خريطة تحالفاتهم، في وقت أستقبلت فيه العاصمة السعودية وأخواتها مثل مكة المكرمة وجدة والعلا والقسيم أمماً من السياسيين والزعماء ورجال الأعمال بالمئات في أعوام معدودة وعلى رغم ما تتيحه دبلوماسية الوجهة الأولى تلك من فرص لتعزيز الشراكات السياسية والأقتصادية، يرى مراقبون أنها مع دلالاتها الرمزية وفتحها الأبواب على مصراعيها، فإنها ليست شيكاً على بياض، بل تتطلب جدية ومتابعة لتحقيق نتائج ملموسة، تجعلها فاتحة بناء الثقة على طريقة المثل السعودي القائل العود من أول ركزة، ويبقى تعاظم نفوذ الرياض ومقارباتها الدولية جعلت الزعماء يبحثون فيها عن المفاتيح الضائعة للحلول والفرص والنزاعات من ترمب وبوتين إلى زلنسكي وعون والشرع والسيسي وقادة الخليج.