
الخوف والإنسان…
إبراهيم إبو حويله
في طريق الإنسان من الولادة إلى النهاية، تقف حقائق تعطي الإنسان إشارات على طبيعة الطريق والرفيق، وهل تسير في الإتجاه الصحيح أم لا، ولكن نحن لا نلتفت إلى الإشارات التي تأتينا من هنا وهناك، من صديق من كلمة من موقف من شعور نفسي أو تقييم عقلي، نحن نريد ما نريد، ولكن في الطريق للوصول إلى ما نريد نخسر في الكثير من الأحيان ما نريد.
تقف مع الشخص ومع النضج ومع الأخلاق ومع الأفكار ومع الفاعلية ومع الإنسان، ذلك الفرق بين إنسان وإنسان هو ما يشكل دولة متقدمة هنا ومتخلفة هناك، ذلك الفرق هو الذي يصنع المجتمع الحضاري او المجتمع النائم او النامي لا فرق، ولاحظت انه كلما زاد الاندماج بين مكونات المجتمع كلما زاد الإبداع وكلما عادت الفائدة على الجميع، هلا نظرنا إلى التاريخ الإسلامي نظرة محقق، البخاري ومسلم والبيروني وإبن سينا والخوازمي وجابر إبن حيان والرزاي وغيرهم، حتى في الأدب والشعر هناك إبن الرومي وبشار بن برد وغيرهم، كل هؤلاء من غير العرب، كيف إستطاعت الحضارة الإسلامية دمج هؤلاء في المكون الإساسي للمجتمع وجعلهم يتجاوزن حاجز الأصل ويبدعون في مكانهم، ويكون لهم فضل وعلم وذكر خالد. ولكن هذا ليس حال الحضارة الإسلامية فقط، نشاهد اليوم العديد من المجتمعات الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة كيف تنجح في دمج العناصر المختلفة في مكونها الإساسي، وكيف تجعلهم عناصر بناء ومساهمين فاعلين في حضارتها.
عندما يحدث الخوف تبدأ المشاكل في الظهور، وتبدا الجماعات تتشكل على اساس عنصري أو طائفي او ديني، وهنا تستغل الفئات التي تسعى للسيطرة على المجتمعات إلى نشر إسباب التنازع والإختلاف بين مكونات المجتمع الواحد حتى تسهل السيطرة عليه، فلم تظهر فتنة شيعي سني في العراق إلا بعد الإحتلال البريطاني، وكانت بريطانيا تسعى من خلال سياستها المعروفة فرق تسد إلى السيطرة على هذا المجتمع، وتعززت بعد الإحتلال الأمريكي للعراق في أبشع صورها، ولم تكن ذات تأثير كبير على المجتمع قبل ذلك، حتى أنه كان من المتعارف عليه التزواج بينهم رغم الإختلاف ، وهذا ما عملت فرنسا عليه في سوريا وغيرها، وحتى فتنة الأكراد والأمازيغ لم تظهر إلا على يد الإستعمار الحديث.
كيف يقتل الخوف الإبداع والمجتمع، ويطلق أسوء العادات من الكراهية والعنف من النفس الإنسانية، الشر موجود كما الخير موجود، وهذا يحتاج إلى بيئة وذلك يحتاج إلى بيئة، خذ ما حدث في الحرب الأهلية في لبنان، وفي حروب البلقان، وفي العراق وفي سوريا، كيف تصبح طائفة ما طائفة قاتلة تمارس التعذيب والقتل بصيغة جماعية، هل هناك يد للخوف هنا، كيف يتحكم العقل الجمعي بالقطيع القاتل، ويتحكم ايضا بالقطيع الذي يقع عليه القتل، كيف يتحكم الخوف بفئات عديدة مترددة او رافضة للفكرة الطائفية للإنخراط في أعمال العنف والقتل والتعذيب، بل كيف يدفع فئات من تلك التي يقع عليها التعذيب والقتل للإنخراط في مساعدة القاتل، وهذا شاهدناه مررا وتكررا في تلك الخيانات التي تقع من البعض، وفي الحروب العالمية، وكيف أنخرط جماعة من اليهود في أعمال القتل والتعذيب التي كانت تقع عليهم، وكيف تعاونت فئات مختلف من الاوروبين مع القوى النازية المسيطرة، بدواف مختلفة طبعا منها الخوف. وستبقى هذه الظاهرة موجودة بتغير ميزان القوى بين الشعوب.
ولكن كيف يكون الخوف عامل إيجابي في المجتمع، وكيف يمكن أن يستغل الإنسان الخوف لصالحه، بدل أن يكون عاملا سلبيا هادما، وهل كل المشاعر لها وجهان، فإنسان بلا حزن كما يقول نزال إنسان بلا ذكرى، والإنسان بلا خوف ما هو، يبدو أن المشاعر هي التي تصوغ شخصية الإنسان وتجعله ما هو عليه، فكيف يدرك التعاطف من كان في كل حياته غير محتاج للأخر، كيف يدرك الحاجة من عاش حياته غير محتاج للأخرين، الخوف قصة مختلفة فهو يصنع دوافع مختلفة بحسب الحدث، فمن خاف من الفشل، غير الذي يخاف من الاخر، وغير الذي احرجته التجربة في التعارف على البشر، وغير الذي تعرض للخداع والسرقة، وغير الذين خاضوا الحروب، والخوف من الله غير الخوف من غيره، وماذا يصنع بنا الخوف من المستقبل، والخوف على من نحب.
يتلاعب الساسة بالمجتمعات من خلال الخوف، وابدع نعوم تشاومسكي في تحليل كيف يستخدم الساسة الخوف للسيطرة على الجماهير، وتوجيهها إلى حيث يريدون، بين خوف يخلق التماسك الإجتماعي ويجعله يتحد في مواجهة التحديات، ويصبح صفا واحدا في مواجهة الأخطار التي تحيق بالمجتمع، وبين خوف يخلق الذعر الإجتماعي ويجعل مكونات المجتمع قوات منفصلة مستعدة للإنقضاض على الأخر، يبدع الساسة في خلق الأحداث وتوجيهها إلى حيث يريدون، ولكنهم يتعاملون مع وحش نائم، مع قوة مدمرة ولكنها تبدو ناعمة هي كالماء عندما يجتمع من كل حدب وصوب ويتحد معا في ضرب هدفه، وكم حدثت كوارث بسبب عدم إدراك قوة المجتمع، ماذا يحدث عندما يفقد المجتمع إتزانه، وهنا نقف مع تلك العوامل التي تؤثر في المجتمعات وتزعزع إستقرارها، وهذه القوى المختلفة تخلق أثرا يتجمع قليلا قليلا حتى يحدث الكارثة.
لذلك أقول للعقلاء فرق بين تضع الحذر والتحذير في موضعه، وفرق بين أن تلقيه على عواهنه هنا وهناك، التحذير عند العاقل يستوجب التفكير والفعل المناسب والإنفعال لتعديل المسيرة، والتحذير عند غير العاقل قد يؤدي إلى كارثة تأخذ الأخضر واليابس، ولكن لماذا نتعب أنفسنا في الرأي العام ومحاولة التأثير عليه ليتسم بالعدالة وينضبط بالحق ويسعى وراء الحقيقة، وهنا تقف مع هذا الخلاف موقفا المتعجب، البعض يريدها ان تخرب حتى تعمر، والبعض يرى هذه العقل الجمعي يتجه إلى الكارثه، ويريد أن يتركه ليدرك الحقيقة، وفئة أخرى تتعب نفسها بالأخذ على يد من يريد خرق السفينة، وقد تسمع منهم قولا لا يرضيها، ولكنها في الحقيقة مصلحة الجميع، فإن تركهم العاقل او من يظن انه يعرف الحقيقة ويبخل بها، عندها يهلك العاقل والجاهل، وصدق رسول الله صل الله عليه وسلم.