
التهور بقيادة السيارات في الأردن؛ وزارة الداخلية يجب أن تضرب بيد من حديد
كتب أ.د. محمد الفرجات
في لحظة تهور، وفي ثانية طيش، قد يتحول الطريق إلى كابوس مميت، تتحطم فيه العظام، وتتناثر الأرواح، وتُمحى أحلام الشباب إلى الأبد. هذا ليس تهويلًا، بل واقعٌ يعيشه الأردن يوميًا، حيث تسجل شوارعنا واحدة من أعلى معدلات الحوادث في العالم، والسبب؟ جنون السرعة، وعنجهيّة القيادة، والاستهتار بالقوانين، وكأن الطرقات أصبحت ساحات تحدٍ قاتلة.
حين تصبح السيارة نعشًا متحركًا
كم من شاب خرج من بيته بكامل قوته وعاد إليه جثة هامدة داخل كفن؟ كم من قائد مركبة دخل سيارته متفاخرًا بسرعتها ليخرج منها على نقالة الإسعاف، فاقدًا للحياة أو بإعاقة أبدية؟ إنها الحقيقة القاسية التي لا يتخيلها المتهورون حتى يصبحوا جزءًا من المشهد الدموي على الإسفلت.
السرعة الزائدة ليست بطولة، بل حماقة قاتلة. فالسيارة التي تندفع كالسهم بسرعة 120 كم/ساعة لن تمنحك فرصة للنجاة عندما تواجه شاحنة ضخمة، أو تفاجئك حفرة، أو يقطع أحد المارة الطريق أمامك. بل ستتحول إلى كتلة معدنية مشوهة، تحمل بداخلها ضحايا كان يمكن أن يبقوا على قيد الحياة لو التزموا بالقوانين.
الحوادث ليست مجرد أرقام، بل مآسٍ لا تنتهي
الإحصائيات تؤكد أن الحوادث المرورية في الأردن تقتل وتصيب الآلاف سنويًا، مخلفة وراءها دمارًا بشريًا واقتصاديًا واجتماعيًا. لكن هذه الأرقام لا تنقل سوى جزء من الحقيقة، أما التفاصيل المأساوية فتعيشها العائلات التي فقدت أبناءها أو تحولت حياتها إلى معاناة لا تنتهي بسبب إعاقة دائمة لمصاب لم يكن ذنبه إلا ركوب سيارة يقودها متهور.
شاب في مقتبل العمر، كان يحلم بمستقبل زاهر، انتهت حياته في حادث بسبب السرعة الجنونية.
أبٌ خرج ليجلب الطعام لأسرته، دهسته سيارة طائشة ليترك خلفه أطفالًا بلا معيل.
فتاة أصيبت بشلل نصفي لأنها كانت برفقة صديقها الذي قرر أن يختبر قوة محرك سيارته على الطريق السريع.
الأهل: أنقذوا أبناءكم قبل فوات الأوان
الأب الذي يشتري لابنه سيارة رياضية دون توجيه، والأم التي تتجاهل تهور ابنها في القيادة، يشاركون بشكل غير مباشر في صناعة مأساة محتملة. فالتربية لا تعني فقط توفير المال، بل تعني غرس المسؤولية، وتعليم الأبناء أن الطرق ليست حلبات سباق، وأن القيادة ليست استعراضًا للقوة بل مسؤولية تحكمها القوانين.
ثمن الطيش: كلف لا يستطيع أحد تحملها
الحوادث لا تسرق الأرواح فقط، بل تدمر الاقتصاد وتثقل كاهل الدولة والمجتمع:
علاج المصابين قد يمتد لسنوات، ويكلف آلاف الدنانير التي تدفعها الدولة أو العائلات المفجوعة.
أسر تفقد معيلها فتغرق في الفقر والمعاناة بسبب لحظة تهور لم يكن لها داعٍ.
خسائر في المركبات والبنية التحتية ترفع كلفة التأمين وإصلاح الطرق والإشارات المرورية.
الحكومة لن تتهاون بعد الآن
على الحكومة أن تمارس أقصى درجات الردع تجاه كل من يستهين بأرواح الناس، وذلك عبر:
تغليظ العقوبات على السائقين المتهورين، بحيث تصبح الغرامات المرتفعة والسجن مصير كل من يعبث بأمن الطريق.
مراقبة الطرق بالكاميرات والرادارات الحديثة لضبط المخالفين في اللحظة ذاتها.
سحب الرخص من المخالفين المتكررين حتى لا تتحول الشوارع إلى مقابر مفتوحة.
فرض دورات تأهيلية إجبارية للسائقين الجدد، خاصة الشباب، قبل منحهم رخص القيادة.
إما أن تلتزم.. أو تصبح مجرد خبر في صفحة الحوادث
لا أحد يتخيل نفسه ضحية حادث سير، لكن الحوادث لا تفرق بين متهور وحذر عندما يتعلق الأمر بالسرعة. فإما أن تختار القيادة بحكمة، أو تصبح مجرد رقم جديد يُضاف إلى قائمة الضحايا. لا تكن سببًا في مأساةٍ قد تمتد آثارها إلى الأبد.
تذكر دائمًا: الطريق ليس ملكك وحدك، وطيشك اليوم قد يكون سببًا في فاجعة غدٍ. فهل تستحق لحظة استعراض أن تفقد حياتك أو تحطم حياة غيرك؟