
علوم الأرض: الركيزة الخفية لرؤية التحديث الاقتصادي واستثمار الثروات الطبيعية
د.بيتي السقرات/ الجامعة الاردنية
تُعدّ علوم الأرض من المباحث الأساسية التي تؤثر بشكل مباشر على التنمية الاقتصادية في الأردن، حيث تشكّل مخرجات التعليم في هذا المجال مدخلات حيوية للعديد من القطاعات، خاصة في ظل التحديات التي يواجهها الأردن في إدارة موارده الطبيعية. من خلال خبرتي العملية في تدريس علوم الأرض في المدارس والجامعات، وعضويتي السابقة في مجلس نقابي، أؤكد على أهمية هذا العلم وضرورة تسليط الضوء عليه لضمان الاستغلال الأمثل للثروات الوطنية.
لقد أدى سوء إدارة هذا القطاع المهم وعدم استغلال الثروات الطبيعية بالشكل الأمثل إلى تراجع الأوضاع الاقتصادية. فعلى سبيل المثال، حقق قطاع التعدين في عام 2019 عوائد بلغت حوالي 2.43 مليار دينار، ما يمثل 7.7% من الناتج المحلي الإجمالي. ومع ذلك، تسعى استراتيجية الثروات المعدنية للعام 2025 إلى رفع مساهمة هذا القطاع إلى 11% من الناتج المحلي الإجمالي. هذا يشير إلى وجود فجوة بين الإمكانيات المتاحة والواقع الحالي، مما يستدعي تعزيز الاهتمام بعلم الجيولوجيا وتطبيقاته.
فيما يتعلق بالموارد المائية، يواجه الأردن تحديات كبيرة. تبلغ كميات الاستخراج الآمن من المياه الجوفية المتجددة حوالي 275 مليون متر مكعب سنويًا، في حين تصل كميات الضخ الجائر إلى حوالي 200 مليون متر مكعب، مما يؤدي إلى استنزاف الموارد المائية. بالإضافة إلى ذلك، انخفض مخزون السدود في عام 2021 بنحو 80 مليون متر مكعب مقارنة بالعام السابق. هذه الأرقام تؤكد الحاجة الماسة إلى دراسات جيولوجية متعمقة لإدارة الموارد المائية بكفاءة واستدامة.
وفي هذا السياق، جاء في خطاب التكليف السامي للحكومة الحالية: “ولأن التعدين يعد أحد القطاعات الواعدة في النمو الاقتصادي، فعلى الحكومة الاهتمام به من خلال الاستفادة القصوى من الموارد الطبيعية في المملكة وتوجيه الاستثمارات إليها لتسريع الاستخدام التجاري والصناعي لهذه الموارد والغاز الطبيعي، وكذلك التوسع في الطاقة المتجددة والخضراء، ومنها الهيدروجين الأخضر، ما يشكل فرصة لتحقيق قفزات نوعية تسرع من التحول نحو الطاقة النظيفة والمستدامة”. إن دل هذا على شيء، فإنه يدل على مدى اهتمام جلالة الملك بهذا القطاع الواعد، وحرصه على تحقيق أقصى استفادة منه لخدمة الاقتصاد الوطني.
في إطار رؤية التحديث الاقتصادي، تم وضع استراتيجية وطنية لتطوير قطاع التعدين، تتضمن تأسيس جهة مستقلة للمسح الجيولوجي وتوفير البيانات المتعلقة بالمسوحات وفق المعايير الدولية. كما تهدف إلى جذب الاستثمار الأجنبي المباشر، وإنشاء مشاريع للصناعات الوسطى والتحويلية في القطاع، وتحسين البنية التحتية اللوجستية، وتطوير تقنيات التعدين، وإنشاء مراكز للبحث والتطوير والابتكار.
يمتلك الأردن ميزة تنافسية في قطاع التعدين بفضل تنوع موارده المعدنية، بما في ذلك الفوسفات، البوتاس، البرومين، رمل السيليكا، المعادن الاستراتيجية مثل الذهب والنحاس، والعناصر الأرضية النادرة، بالإضافة إلى كميات ضخمة من خام الصخر الزيتي. هذا التنوع يتطلب تكثيف الدراسات والبحوث الجيولوجية لاستثمار هذه الموارد بفعالية، بما يحقق التنمية المستدامة ويعزز مكانة الأردن الاقتصادية على المستويين الإقليمي والدولي.
من هنا، يصبح الاهتمام بعلم الأرض ضرورة وطنية وليس مجرد تخصص أكاديمي. إذ يشكل حجر الأساس في استغلال الثروات الطبيعية بطريقة مستدامة تحقق النمو الاقتصادي، توفر فرص عمل، وتضمن الأمن المائي والاقتصادي للأجيال القادمة.