أضخم عملية إنزال جوي… تفاصيل خاصة
داود شاهين
قبل يومين كان لي شرف مشاركة قواتنا المسلحة الأردنية في أحدى عمليات إنزال المساعدات على قطاع غزة. حيث كان لهذه المشاركة الأثر الخاص في نفسي أنا شخصياً دونً عن باقي المشاركين في هذا الإنزال.
بداء تسلسل الأحداث عند وصولي الى مركز الإنطلاق ” قاعدة الملك عبدالله الثاني أبن الحسين الجوية” لألتقي مجموعة من نشامى القوات المسلحة الأردنية ” سلاح الجو ” ويبداء بيني وبينهم حوار يعيدني الى ما يزيد عن ثلاثين عام مضت كنت وقتها أخدم في نفس الوحدة التي يخدمون بها وأتحمل نفس المسؤوليات والواجبات التي تقع على عاتقهم اليوم. حوارنا جعلني أشاهد في عيون هؤلاء النشامى فرحة جميلة … فرحة بلقائهم زميل لهم من الرعيل الأول. يتبادلون أطراف حديث من الحاضر والماضي يعيد شريط ذكرياتي لأتذكر أسماء وأحداث مر عليها زمن وكأنها اليوم. حوار كان بالنسبة لي أشبه بالدخول في عملية إنعاش عقلي … ينعش ذاكرتي ويعيد الألفة بيني وبين كل ما هو محيط بي.
لا أنكر ان لحظة دخولي الى القاعدة كانت مغلفة بشيء من الرهبة والخوف و القلق من مجهولٍ لا بد وأن يصادفني اليوم .. لكني وكعادتي كنت أحافظ على رباطة جئشي ولا أظهر هذا الخوف لمن هم حولي … لقائي الأول بهؤلاء النشامى أزال أي رهبة كانت بداخلي. شعور بالألفة ساعدني في الصعود الى الطائرة لاجد نفسي وأنا داخلها كأني لم أغادرها ولم أبتعد عنها هذا الزمن … حب وحنين عاد في لحظة رغم طول السنين … ليبدأء شريط ذاكرتي بتذكر أدق التفاصيل … ذاكرة فولاذية ظهرت فجئة ذكرتني بالعديد من الأحداث والأشخاص والتفاصيل…. معلوماتي التي كنت أظن أنها إختفت مع الزمن ولم أعد أتذكر شيء عن هذه الطائر عادت لي في لحظة لقاء جميلة بين العاشق ومعشوقته. وكأن ما حدث اليوم ما هو إلا عملية إنعاش للذاكرة اعادت العقل والقلب والروح الى ريعان الشباب …
وهانحن نلتقي يا معشوقتي بعد طول غياب
وكأني ما غبت عنك يوماً … ولا القلب في البعد عنك غاب
وبدات أخشى منك عتابً… وأنا لا أقوى على هذا العتاب
غبت عنك في ريعان شبابي …. وأعود اليك و الرأس شاب
لكن قلبي لا زال ينبض حباً … كما في أيام الصبا والشباب
ففيكي رأيت كل شبابي … رأيت عمراً في البعد عنك غاب
فاقتربت اليك بحبٍ .. و من لحظة كنت منك أخشى الإقتراب.
بدأت عملية الإقلاع والتي كانت بالنسبة لي تجربة ليست بجديدة فهذه ليست المرة الاولى التي اكون بها على متن الطائرة وتتاح لي فرصة التحليق في سماء الأردن ومشاهدتها من الجو.. لكن هذه المرة كانت تختلف كثيراً عن سابقاتها … كل شيء إختلف تفاصيل جديدة أشاهدها ولأول مرة في حياتي … نمو وعمران وتقدم يشهد على حقبة تاريخية من تاريخ هذا الوطن الشامخ بقيادته ورجاله ….. ولا أنكر أن هذه المرة كانت تحاط بشيء من الخوف وعدم الإستقرار الداخلي في نفسي .. فبالنسبة لي نحن متجهون نحو المجهول …. ورغم الثقة بالله والثقة بقواتنا المسلحة وقدراتها الا أني وقبل صعودي الى الطائرة عقدت النية على ان تكون رحلتي الى الله وفي سبيل الله.
مشاهد مذهلة و تفاصيل جميلة بعثت الراحة والفخر في نفسي رأيتها من الجو ونحن نحلق فوق الاراضي الاردنية. كل شيء من الاعلى يبدوا جميلاً. في داخل الطائرة مجموعة من نشامى القوات المسلحة يقومون بالإعداد والتجهيز لإفراغ حمولة الطائرة من الجو لإخوة منكوبين لا ذنب لهم في هذه الحياة سوى أنهم يبحثون عن حقهم ويطالبون بحريتهم … وقيادة هاشمية حكيمة تصل ليلها بنهارها تعمل على دعمهم والوقوف الى جانبهم. تحشد و تشحذ الهمم والمجتمع الدولي لدعمهم واعانتهم. لم تغب عنها أي تفاصيل لدعمهم ومحاولة إسعادهم …. إنزال اليوم كان بهدف بث الفرحة والسعادة في نفوسهم ونفوس أطفالهم … ففي جزء منه كان يحتوي على ألعاب وحلوى العيد .. ليفرح بها أطفال الأخوة الغزيين وعائلاتهم.
التحليق فوق قطاع غزة هو عبارة عن لحظة من الفرح الممزوج بالألم والحسرة والأه الكبيرة … عبارة عن صرخة ألم لا يستطيع المرء البوح بها …. لحظة فخر بإنجاز ملكي أردني هاشمي كُتب لي أن أكون أحد المشاركين به. لن أصف المنظر من سماء غزة سوى بلقطة من فلم خيال علمي يشاهد فيها المتابع صورة لدمار شامل تبعث الألم في نفس من يشاهدها على أرض الواقع .. صورة المستحيل تراها أمام عينك . التحليق في سماء فلسطين وفي سماء غزة مستحيل ملكي اردني …. أنجزه مليك واثق قادر على إنجاز المستحيلات …. مؤمن بقدرات جيشه وشعبه …. مليك .. فكر .. فقرر .. فتحدى … ونفذ بثقة وإقدام
لله درك يا أبى الحسين