هل انت مِمَن تنطبق عليه نظرية “أهل الحُوْش”؟!..
محمود الدباس
سؤال اتمنى على اي واحد ان يسأله ويوجهه لنفسه.. في اي تصرف او حديث يقوم به ضمن أطر ومناحي الحياة.. اكانت سياسية او اجتماعية او تجارية وغيرها..
ولكي اوضح المقصود من نظرية “أهل الحُوْش” وليس “الحَوَش”.. دعوني اشرح بايجاز ما هو “الحُوْش”..
هو عبارة عن مجموعة غرف سكنية او بيوت.. مبنية على اطراف ساحة تتوسطها.. يقطنها افراد عائلة عادية.. او عائلة ممتدة.. ويشبه في وقتنا الحاضر نظام “الكومبليكس” ولكنه لنفس العائلة..
وفي العادة يشترك اهل “الحُوْش” في نفس الافكار والتصرفات والعادات وحتى احيانا في اللباس.. ويظن اهل “الحُوْش” ان ما يفكرون به او يتصرفونه هو الدارج عند غيرهم.. فقليلا ما يتوقعون ان غيرهم يفكر او يفهم مثلهم على الاقل وليس اكثر منهم.. وان ما يفكرون فيه هو غائب عن تفكير غيرهم.. وانه هو الصواب دوما.. ومصدر تعلمهم بالعادة يكون ذاتيا.. ومن خلال تجاربهم الشخصية..
وعندما يخرج احدهم.. ويختلط بالعالم الخارجي.. يجد ان هناك افكارا ومدارس غير التي تربى ونشأ عليها.. وهنا يجد نفسه في موضع لا يحسد عليه.. فإما ان يتمسك بما هو عليه حتى وان كان على خطأ.. او ينقلب الى النقيض في كثير من الاحيان.. او ياخذ ما يراه صوابا ومتوافقا مع المنطق.. إن كان من أولئك الذين يتقبلون الرأي والرأي الآخر..
من هنا وجب علينا ان نضع بعض الامور في نصابها.. فموضوع الاعتقاد الديني على سبيل المثال.. هو امر عقدي بحت.. والتمسك به هو المطلوب.. والذين نجحوا في مقارعة اهل المعتقدات الاخرى.. هم الذين تمكنوا من مبادئ معتقدهم وتشربوه بشكل قوي.. ومن ثم فهموا ودرسوا معتقدات الآخرين.. وناقشوهم فيها بكل احتراف.. وليس من مبدأ فرض الرأي عنوة..
وحتى في التجارة.. هناك مدارس متضاربة.. فنجد من يقيم تجارته على مبدأ الدَين والآجل والتسهيلات البنكية.. وهناك من يتعامل فقط بالكاش.. وكلٌ له قواعده وآرائه المبنية على قناعات وتجارب وفكر تجاري له تأصيله الرياضي.. ومنهم من يدمج بين المدرستين حسب الظرف..
لقد ذكرت في مقالة سابقة بعنوان “هل أنا المسطرة؟!” شيئا من هذا القبيل.. حتى اوصل فكرة مفادها.. ان للناس مساطر تختلف عن تلك التي تقيس بها.. وان علينا ان نتعامل بمبدأ “رأيي صواب يحتمل الخطأ.. ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب”.. وان لكل حدث وُجهات نظر مختلفة.. مرتكزة على الزاوية التي ينظر منها الشخص الى ذلك الحدث.. فما تراه انت ايجابي.. قد اراه سلبي.. والعكس صحيح..
فكثير من الاحيان تجد في كرة القدم على سبيل المثال وليس للحصر.. مدرب فريق معروف.. يكون فريقه مهزوما في المبارة.. وهو جالس بكل برودة اعصاب.. ومشجعو الفريق يكيلون له المسبات والاتهامات.. وحين تبحث وتحلل الامر.. تجده متوقعا لذلك الموقف.. ولا اقول سعى اليه.. وانما وضع في حساباته المباراة التالية الاصعب.. ويريد للاعبيه ان لا يبذلوا الجهد الكبير.. فقد اراح لاعبيه الكبار.. من خلال اشراكهم لفترة بسيطة.. وان تعويض النقاط في القادم من المباريات بالنسبة له امر سهل.. وينظر نظرة استراتيجية بانه يلعب بنظام الدوري.. وليس مبارة فوز وخسارة.. وان الكأس يكون بالمحصلة النهائية لمن يجمع اكبر عدد من النقاط في جميع الجولات..
رسالتي الى الجميع.. بان من يبقى يدندن مع مَن هم اصحاب نفس النظرية او الفكر او التحليل.. ويتابع نفس المصادر للمعلومة والتحليل التي يتابعها كل مَن هم حوله.. فلن يخرج عن إطار “الحُوْش” الذي يجلس ليستمتع بما يستمع ويروق الى اذنيه وعقله وقلبه.. ويتحدث به الى ساكنيه..
ولن يعلم شيئا عن مدى تفكير وكُهن وتخطيط الاخرين.. وسيبقى يعتقد بانه وجيرانه في “الحُوْش” يفكرون ويسيرون بالشكل الصحيح..
ولن يفيقوا الا بعد ان يأتي اليهم مَن هم خارج نطاق “الحُوْش” ويقتحمون عليهم سور “حُوشِهم” بطريقة لم يتوقعوا انها موجودة او ممكنة الحدوث.. بغض النظر عن بساطتها او تعقيدها او حتى مشروعيتها..
في الختام.. جعلنا الله جميعا ممن ينظر الى الأمور بموضوعية وحس عالي.. ومعرفة لكافة المجريات وتَبَصُراً بافكار الغير.. وعدم تحوير اي حدث ليصبح شكله جذابا زاهيا نخدع به انفسنا.. وانما نضع الاسماء بمسمياتها.. ونضعها في اطارها الصحيح.. ونتعامل بمبدأ..
“صديقك من صدَقك.. وليس من صَدًّقك”..
“وشكرا لِمَن بكَّاني وما ضَحَّك الناس عليَّ”..