فرق العقيدة: صياغة سياق التفوق
محمد محاسنة
تعد العقيدة القتالية المنطلق المستمر لكل جيش وقيادته في أي حرب خاضها وسيخوضها، والعقيدة القتالية تعبير يشمل الموروث الجمعي للأمة، والدين جزء من ذلك الموروث، لذا؛ فإنه من السهولة بمكان الحكم على مواريث الأمم بالنظر إلى تجلّي تلك العقيدة أقصد القتالية في مخاضات وجودها أو الدفاع عنه.
تكشف الحرب الصهيونية على المقاومة الفلسطينية في غزة فراغية ذلك المحتل سياسيا وعسكريا، ويمكن تفسير هذه الفراغية بمحاولة تلمّس عقيدته القتالية، وقد ترجمها على الأرض، إذ بدتْ بلا غاية، فالدموية والهمجية هما وجهاها الأبرزان، فالدعوة إلى القتل بالمستوى الفردي “قيادات المقاومة” والمستوى الجمعي “أهل غزة وفلسطين” هي رسالتها المكررة في كل مرة نرى فيها قوادهم في المؤتمرات الصحفية.
وفي فضاء مغاير تماما، نجد العقيدة القتالية للمقاومة الفلسطينية متجلية في خطاب وفعل حضاريين متوازنين، فأقل نظر في خطابات الملثم يشفّ عن رؤية واضحة، وأركان ثابتة تدور في فلك عقيدة قتالية مكتملة المكونات، فالمنطلق في هذه العقيدة الإيمان المطلق باليد العليا والقدرة المطلقة، ومردّ هذا الإيمان الفهم الواضح –في ذهن المقاومة- لحقيقة الإيمان بالله، فضلا عن تمثّل المورث العربي الطاعن في وجه الزمان، ويتجسد هذا المنطلق في يوميات المقاومة كلها، ففي الوقت الذي تمعن فيه آلة القتل الصهيونية في قتل المدنيين –مسلمين ومسيحيين- نجد المقاومة تسعف أسراهم وتعين مريضهم وتجتهد حفاظا على حيواتهم، كما نجد سلاحها لا يخرج للمدنيين إلا في أضيق الحدود، وأدق القيود.
في هذه المقاربة السريعة يظهر أثر العقيدة في صياغة الفرق، والفرق شاسع بين الفريقين، فالمقاومة أثبتت بالدليل الميداني والسياسي والإنساني أنها متقدمة على تلك الطغمة بمراحل كثيرة، فالمنجز الميداني غير مسبوق في تاريخ المواجهات العسكرية العربية الصهيونية، فالعدو يتكبد كل ساعة خسارة أكبر من التي سبقتها، وتنعكس هذه الخسائر الميدانية على شكل انتكاسات سياسية واقتصادية واجتماعية، مما يمعن في الهزيمة المعنوية المستمرة للكيان ولكل حلفائه، وما الهزيمة المعنوية إلا التجسيد الحقيقي لغياب العقيدة القتالية، فكيف لعصابات مرتزقة زوّرت التاريخ والجغرافيا أن تكون لها عقيدة تمدّها بأسباب الوجود.