واحة الثقافة

حين تُنصت المدينة للشعر… أمسية تُعيد للكلمة هيبتها

الشاهين الإخباري – محمد أبوحريد

في مساءٍ ثقافيٍّ مختلف، تحوّل مسرح كلية التقنية بمدينة الرياض إلى مساحة إنصات عالية للكلمة، حيث اجتمع الشعر والجمهور في لحظة إبداعية صادقة، أكدت أن الشعر لا يزال قادرًا على جمع القلوب، وصياغة الدهشة، واستحضار المعنى في زمن السرعة.
الأمسية الشعرية «شذرات من ترانيم شاعر» لم تكن مجرد لقاء عابر، بل جاءت كتجربة ثقافية متكاملة، حملت في تفاصيلها رؤية فنية، وتنظيمًا واعيًا، وحضورًا أدبيًا يعكس نضج المشهد الثقافي المحلي، واهتمامه المتزايد بإعادة الاعتبار للكلمة بوصفها فعلًا إنسانيًا وجماليًا.
سعد آل شائع… صوت يعرف طريقه إلى الإحساس
على المنصة، قدّم الشاعر سعد آل شائع تجربة شعرية اتسمت بالصدق والعمق، حيث تنقّل بين النصوص بسلاسة، مستحضرًا حالات شعورية متباينة، جمعت بين التأمل، والبوح، والوجد، دون افتعال أو مبالغة. كانت القصائد أشبه بشذرات روحية، تُلقى بهدوء، لكنها تترك أثرًا عميقًا في المتلقي.
ما ميّز التجربة أن الشاعر لم يقرأ نصوصه فقط، بل قدّم رؤيته الشعرية من خلال نبرة الصوت، وإيقاع الإلقاء، وحضوره الواثق، ما خلق حالة من التفاعل الحي مع الجمهور، الذي وجد نفسه شريكًا في التجربة لا مجرد متلقٍ.
إدارة إعلامية تُكمل المشهد
وساهمت الإعلامية سارة العفيف في منح الأمسية بعدًا إضافيًا من الاحترافية، حيث أدارت اللقاء بحس إعلامي متزن، وقدرة على الربط بين النص والجمهور، وبين التجربة الشعرية والأسئلة التي تفتح أفق الفهم. حضورها لم يكن شكليًا، بل كان عنصرًا فاعلًا في إبراز ملامح التجربة، وإدارة الحوار بسلاسة وعمق.
الثقافة في فضائها الطبيعي
تأتي هذه الأمسية في سياق حراك ثقافي متنامٍ، يؤكد أن المؤسسات التعليمية والثقافية باتت منصات حقيقية للإبداع، وليست مجرد أماكن تقليدية للعرض. فاحتضان الشعر داخل فضاء أكاديمي يعكس وعيًا بدور الثقافة في بناء الذائقة، وتعزيز الحوار بين المبدعين والجمهور، وخلق بيئة تحفّز على التفاعل المعرفي والجمالي.
كما تنسجم هذه المبادرات مع التوجه العام لدعم الفعل الثقافي، وتمكين الأدب والشعر من الحضور في المشهد العام، بوصفهما جزءًا أصيلًا من الهوية، وركيزة من ركائز الوعي المجتمعي.
تفاعل يؤكد الحاجة للمزيد
اختُتمت الأمسية وسط تفاعل لافت من الحضور، الذين عبّروا عن تقديرهم للمستوى الفني والتنظيمي، مؤكدين أن مثل هذه اللقاءات ليست ترفًا ثقافيًا، بل حاجة حقيقية لمجتمع يبحث عن الجمال والمعنى، ويؤمن بأن الشعر لا يزال أحد أهم أشكال التعبير الإنساني.
لقد أكدت «شذرات من ترانيم شاعر» أن القصيدة حين تُقدَّم بصدق، وتُحاط بتنظيم واعٍ، قادرة على أن تكون حدثًا، وأن تصنع لحظة، وأن تترك أثرًا يتجاوز زمن الأمسية نفسها.

زر الذهاب إلى الأعلى