
النشامى إلى العالم حين تتحول كرة القدم إلى بوابة الأردن نحو الحضور الدولي والانتعاش الاقتصادي
الشاهين الإخباري-فداء الحمزاوي
في العادة، لا يشكّل الشأن الرياضي محورًا أساسيًا في
اهتماماتي المعرفية، لقلة الإلمام بتفاصيله وخلفياته التقنية، غير أنّ بعض الأحداث الرياضية تتجاوز حدود المستطيل الأخضر، لتتحول إلى ظواهر وطنية وثقافية واقتصادية تستحق التوقف عندها، لا من باب التشجيع فقط، بل من زاوية الوعي العام وأثر الصورة الوطنية في العالم. ومن هذا المنطلق، لا يمكن المرور مرور الكرام على ما حققه منتخبنا الأردني في مشاركته العربية والعالمية الأخيرة.
لقد شكّل وصول منتخب النشامى إلى المباراة النهائية، مرورًا بتجاوزه الدور نصف النهائي، حالة عربية لافتة، حتى وإن لم تُتوَّج بالكأس، فالإنجاز الحقيقي لم يكن محصورًا في النتيجة النهائية، بل في الأثر الواسع الذي أحدثه هذا الحضور الأردني القوي على المستوى الدولي، إذ تزامن الأداء اللافت مع ارتفاع ملحوظ في معدلات البحث العالمي عن الأردن، وتحديدًا عبر محركات البحث الغربية، ما يؤكد أن البطولة لم تكن محصورة بجمهور عربي فقط، بل كانت تحت أنظار شريحة واسعة من المتابعين حول العالم.
وتبرز هنا أهمية البعد غير الرياضي للحدث، فبطولات كهذه تُعد منصات ناعمة للتعريف بالدول، وتقديمها بصورة حضارية معاصرة، بعيدًا عن القوالب النمطية الضيقة، وقد نجح المنتخب الأردني، بأدائه وروحه القتالية وانضباطه، في تصدير صورة مشرفة عن الأردن، صورة بلد يمتلك طاقات بشرية شابة، وطموحًا يتجاوز الإمكانات التقليدية.
ولعلّ التفاعل اللافت من الشارع الرياضي في أمريكا الجنوبية، وتحديدًا من الجمهور الأرجنتيني، يشكّل مؤشرًا بالغ الدلالة. فقد شهدت منصات البحث اهتمامًا متزايدًا بتاريخ كرة القدم الأردنية، ومستوى تطورها، بدافع الفضول الرياضي أولًا، ثم بدافع المقارنة والمتابعة، خاصة في ظل الحديث عن مواجهة مرتقبة في إطار كأس العالم، هذا الفضول، وإن بدا رياضيًا في ظاهره، إلا أنه يحمل في عمقه فرصًا ثقافية وسياحية واقتصادية لا يُستهان بها.
إن تأهل المنتخب الأردني إلى كأس العالم، ومشاركته للمرة الأولى، سيمنح الأردن نافذة أوسع على العالم، أوسع حتى من بطولات إقليمية سابقة، نظرًا لحجم المشاهدة العالمية التي تحظى بها هذه البطولة. ملايين العيون من مختلف القارات ستتجه نحو اسم الأردن، وستبحث عنه، وعن تاريخه، وجغرافيته، واستقراره، وثقافته، وسياحته، وهنا تتقاطع الرياضة مع الاقتصاد، وتتحول الأهداف المسجلة في الملاعب إلى فرص حقيقية على أرض الواقع.
ومن الطبيعي، في ظل هذا الزخم، أن ينعكس هذا الحضور الدولي على قطاع السياحة والاستثمار، وأن نشهد خلال المرحلة المقبلة حراكًا اقتصاديًا متزايدًا، وتغيرًا ملموسًا في مستوى الاهتمام العالمي بالأردن، إن أُحسن استثماره إعلاميًا ومؤسساتيًا، فالرياضة حين تُدار بوعي، تصبح أداة قوة ناعمة لا تقل تأثيرًا عن أي خطاب سياسي أو حملة ترويجية.
ختامًا يبقى الأمل معقودًا على منتخب النشامى، لا بوصفه فريقًا يسعى للفوز فحسب، بل كحامل لاسم الوطن وصورته، نسأل الله التوفيق لمنتخبنا في مشاركته العالمية، وأن تكون هذه الخطوة بداية لمسار مشرف، يحمل الأردن إلى مكانة تليق به، ويجعل من أول مشاركة في كأس العالم محطة تاريخية تُتوَّج بالإنجاز، وربما بالكأس في سابقة تُكتب بحروف من فخر.






