
الدورة 16 من “كرامة سينما الإنسان””بنك الحقوق” يمنح السينما الأردنية مساحة متقدمة ولمسة إنسانية عميقة
الشاهين الإخباري – فداء الحمزاوي
تتواصل في المركز الثقافي الملكي وسينما الرينبو فعاليات الدورة السادسة عشرة “بنك الحقوق” من مهرجان “كرامة سينما الإنسان”، الذي ينظمه سنويًا “المعمل 612″، في دورة تتقدم فيها السينما الأردنية إلى الواجهة، ليس بوصفها حضورًا عدديًا فحسب، بل باعتبارها خطابًا بصريًا وإنسانيًا يشتبك بجرأة مع قضايا الفرد والمجتمع والذاكرة.
الدورة الجديدة من المهرجان منحت الأفلام الأردنية الروائية والوثائقية والتحريكية مساحة لافتة، كشفت عن تنوع الأساليب وتعدد الرؤى، ووضعت التجربة المحلية في حوار مباشر مع الأسئلة الكبرى التي يطرحها مفهوم “سينما الإنسان”.
وافتُتحت الفعاليات بالفيلم الروائي القصير “هند تحت الحصار”، من كتابة الفنانة عايدة الأميركاني وإنتاجها، وإخراج ناجي سلامة، كإشارة مبكرة إلى توجه الدورة نحو الأعمال التي تشتبك مع الواقع الإنساني عبر سرد مكثف وحساسية عالية.
وفي السياق الوثائقي، حضرت أفلام تلامس الهشاشة الاجتماعية والإنسانية، من بينها الفيلم التسجيلي “200 قفص”، الذي يقدّم مقاربة إنسانية شفافة لحياة العاملات في المزارع في غور الصافي جنوب الأردن، كاشفًا عن تفاصيل يومية قلّما تحظى بالضوء. كما عُرض الفيلم التسجيلي القصير “مبروكة عليكو” (19 دقيقة، 2025) من إخراج مريم جنيني، والذي يستعيد فصولًا من حياة رائدة، التي تزوجت في سن مبكرة، واضطرت لتحمّل مسؤولية طفليها المصابين بمرض وراثي نادر، في سرد يوازن بين القسوة والصبر.
وتتواصل المقاربات الوثائقية مع الفيلم التسجيلي القصير “غنينا قصيدة” (20 دقيقة، 2024) من إخراج أنيتا سكّاب، الذي يُبنى على ذاكرة الطفولة بوصفها مدخلًا لتأمل الوطن، حيث تتحول رحلة المخرجة الشخصية إلى مساحة لفحص ألم الفقدان والهجرة القسرية والصدمة العابرة للأجيال الفلسطينية.
أما الحضور الأردني الأبرز، فجاء من خلال الأفلام الروائية القصيرة، التي شكّلت المحور الأهم في هذه الدورة، إذ عُرض أربعة أفلام عكست تنوعًا واضحًا في الموضوعات والمعالجات، فيلم “غمّاية” (Hide and Seek) (10 دقائق، 2025) من إخراج جمانة دودين، يتناول الصراع النفسي لأمّ بالتبنّي تواجه لحظة استعادة الأم البيولوجية لابنها بعد ست سنوات، عبر لعبة طفولية تتحول إلى استعارة مؤلمة للفقد والأسئلة المؤجلة.
وفي فيلم “نمشي” (19 دقيقة، 2024) للمخرج عسّاف الروسان، نتابع التحولات التي تصيب حياة عماد بعد وفاة والده، في قراءة هادئة لعلاقة الرجل بالعائلة والانتماء والالتزام.
أما فيلم “أراك” (22 دقيقة، 2025)، من إخراج شفيق عتيبي وسام نُت، فيبحر في تعقيدات العلاقة بين الأب وابنته، متأملًا المسافة الملتبسة بين الطموح الشخصي وما تسمح به شروط الواقع.
ويقدّم فيلم “قزم أبيض” (9 دقائق، 2025) للمخرج أسيْد موسى مقدادي معالجة نفسية مكثفة لقصة أيهم، حارس السكراب، حيث يتراكم الغضب المكبوت في فضاء خانق، وصولًا إلى لحظة انهيار حادة تكشف هشاشة الإنسان تحت الضغط.
وفي مجال أفلام التحريك، شاركت السينما الأردنية بثلاثة أعمال حملت مقاربات رمزية وإنسانية واضحة، فيلم “هيام” (6 دقائق، 2025) من إخراج نور لوغي، عمل تجريدي يغوص في حالة “الوله” والحب الاستحواذي غير المتبادل، مستخدمًا بصريات سريالية وتصميمًا صوتيًا عالي الرمزية، في رحلة صامتة بين الرغبة والذاكرة والوهم.
ويأتي فيلم “تهويدة” (8 دقائق، 2024) من إخراج حنين عايشة، ليستعيد حكاية أب يروي لابنته قصة تفتح بابًا على ذكرياته مع خرافه السبعة، قبل أن يتصدع هذا العالم بفقدان أحدها، في معزوفة بصرية تحتفي بالحب والشجاعة والروابط الإنسانية العميقة.
أما فيلم “نجاة”، من إخراج أحمد غسان جابر وغيث التلّي، فيرصد رحلة هروب بحرية محفوفة بالمخاطر لأم وابنها، حيث تتقاطع براءة الطفل وخياله مع واقع الموت والخوف، مستخدمًا رمزية ألعاب الحروف وصدفة بحرية لتجسيد الأمل الهش، قبل أن تبلغ القصة ذروتها المأساوية.
ومع اقتراب ختام الدورة السادسة عشرة، تتكثف العروض خلال السبت والأحد 13 و14 كانون الأول/ديسمبر 2025، لتفتح سينما الإنسان حوارًا مباشرًا مع ذاكرة مثقلة وواقع سياسي واجتماعي ملتهب، وتشمل هذه العروض فيلمًا تسجيليًا عن الأحداث الدامية في الساحل السوري (آذار 2025) من إنتاج التلفزيون العربي، إلى جانب الفيلم التسجيلي متوسط الطول “غزّة طفولة مسلوبة” (50 دقيقة، 2024).
كما تستعيد العروض مسارات الذاكرة والندم وتجربة الشعب الفلسطيني عبر فيلم “فلسطيني على الطريق” (99 دقيقة، 2015) للمخرج إسماعيل الهبّاش، فيما تعود إلى مصر الاشتراكية النابضة بالحياة والسينما والسياسة من خلال فيلم “أبو زعبل 89” (83 دقيقة، 2024) للمخرج بسام مرتضى.
ويُختتم مهرجان “كرامة سينما الإنسان” بعرض الفيلم السوداني التسجيلي الطويل “الخرطوم” (78 دقيقة، 2025)، مساء الأحد 14 كانون الأول/ديسمبر في سينما الرينبو، عند السابعة مساءً، الفيلم الذي يحمل توقيع خمسة مخرجين هم أنس سعيد، روية الحاج، إبراهيم سنوبي أحمد، تيميا محمد أحمد، وفيل كوكس، يتتبع حيوات خمس شخصيات سودانية تنتمي إلى هوامش مختلفة، لكنها تلتقي جميعها عند سؤال الحرية، في عمل يُجسّد جوهر سينما الإنسان كما يقدمه “كرامة”.







