واحة الثقافة

“سمسم” فيلم يعرّي أوهام الخلاص ويعيد امرأة إلى حريتها الحقيقية من قلب الألم

الشاهين الإخباري-فداء الحمزاوي

في ثاني أيام مهرجان كرامة لسينما الإنسان بنك الحقوق بدورته السادسة عشرة، حضر فيلم “سمسم” للمخرجة سندس سميرات وكاتبته تمارا عويس كأحد أكثر الأعمال قدرة على ملامسة نبض النساء المعلّقات بين واقع يخنق أحلامهن ورغبة جامحة في إعادة اختراع ذواتهن.

يأخذ الفيلمُ بطلته ابتسام التي تختار لاحقًا أن تمنح نفسها اسم “سمسم” كإعلان رمزي عن التمرّد في رحلة داخلية معقّدة، تعيشها وهي زوجة لرجل بسيط يعمل مربّي طيور ويُدعى قاسم، وأمّ لطفلة صغيرة، وموظّفة في محل تبحث من خلاله عن استقلال مادي يمنحها شيئًا من الأمان الذاتي، لكن هذا السعي يتحوّل تدريجيًا إلى مشروع خلاص، حين تظن أنها وجدت باب الهروب في علاقة تجمعها بشاب يعيش في ألمانيا، فتبني معه على الوهم حياة كاملة قبل أن تتأكد من قدرتها على الوصول إليها.

تحاول ابتسام الحصول على الطلاق مرارًا، لكنها تصطدم برفض قاسم المتكرر، لتصل في لحظة ضيق إلى اتفاق صادم، تبحث له عن زوجة أخرى تقبل بواقعه كما هو بفقره، بانشغاله بالعصافير، وبحياة لا تطلب الكثير مقابل أن تحصل هي على حريتها ممثلة بورقة الطلاق، تبدأ بطرق الأبواب، لكن الرفض يلاحقها، ويشتعل بينهما الصدام كل مرة، إذ يتّهمها قاسم بأنها تتعمّد إهانته عبر تعريضه لاختبارات رفض متتالية من العائلات.

ومع ذلك، يكشف الفيلم انحرافًا آخر في المسار، إعجاب قاسم بزميلة ابتسام في العمل، ليجد نفسه في النهاية يتقدّم لخطبتها، وكأن الحياة تجرّ الاثنين نحو مفارقاتها الخاصة.

تستمر ابتسام في بناء وهمها الألماني، وتستبدل اسمها لتقنع نفسها بأنها خُلقت من جديد، بينما يطاردها حلم غارق يتكرّر، سقوطها في خزان ماء، حلمٌ يشبه سقوطها في عمق خيارات غير محسوبة، حتى تستيقظ أخيرًا على وجه ابنتها النائمة قربها، هناك فقط تدرك الثمن الحقيقي لرحلتها.

تواجه حبيبها في ألمانيا بحقيقتها، لم تحصل على الطلاق.، يتّهمها بالكذب واستغلاله، فتردّ عليه بحزم ولأول مرة بوضوح، “قررت أن أبقى هنا، لأعتني بابنتي، ولن أسافر بعيدًا عنها”، وينتهي الوهم من حيث بدأ.

تحصل ابتسام أخيرًا على الطلاق، وتترك عملها، وتبدأ بطرح سؤال جديد على الحياة،“وين في محل فاضي؟ بدي أفتح مشروعي، أكون صاحبة محل مش موظفة.”
هكذا ينتهي الفيلم، لا بخلاص رومانسي، بل باكتشاف معنى أعمق للنجاة، أن تختار المرأة ذاتها لا أي خلاص خارجي.

الفيلم، الذي أنتجته الهيئة الملكية للأفلام، شكّل مساحة لطاقات شبابية جديدة معظمها من محافظة إربد، وبطولة سجى كيلاني ومجد عيد ومجموعة من الوجوه الصاعدة، مع مشاركة خاصة للفنانة أريج دبابنة.

“سمسم” ليس فقط فيلمًا، بل مرآة لأسئلة امرأة عربية تقف بين ضجيج الداخل وضيق الواقع، وتقرر في النهاية أن تحيا، لا أن تهرب.

زر الذهاب إلى الأعلى