عربي و دولي

“دونباس” تدخل منعطفًا حاسمًا بين التصعيد الروسي وصمود أوكرانيا

الشاهين الاخباري

مع استمرار المعارك في قلب دونباس الشرقية، وتكشف خطوط الصراع بين روسيا وأوكرانيا بشكل حاد، وسط رسائل أوكرانية قوية إلى شركائها الغربيين بعدم التنازل عن أي شبر من الأراضي، وتصميم روسي على فرض السيطرة بالقوة.

وقال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إن القوات الروسية استولت حتى الآن على نحو ثلث منطقة دونيتسك منذ بداية الحرب، وإن موسكو «ستحتاج أربع سنوات أخرى» لتحتل كامل دونباس بالقوة، وذلك في رسالة واضحة على صلابة الدفاع الأوكراني وتصميم كييف على عدم التنازل عن أراضيها.

وأكد زيلينسكي أن بلاده لن تتنازل عن أي أراضٍ قائلًا: «روسيا تصر على أن نتخلى عن الأراضي، لكننا لا نريد التنازل عن أي شيء.. وليس لدينا الحق القانوني ولا الأخلاقي للقيام بذلك».

وقال رستم أوميروف، أمين مجلس الأمن القومي والدفاع، إنه سيقدم تقريرًا لزيلينسكي عن آخر التطورات في دونباس، مؤكدًا أن أحد أهداف كييف الرئيسية كان الحصول على «جميع مسودات المقترحات الحالية لمناقشتها بالتفصيل مع الرئيس».

وفي السياق ذاته، أكد الرئيس فلاديمير بوتين، أن روسيا مصممة على السيطرة على دونباس بالقوة، مشددًا: «إمّا أن نحرر هذه الأراضي بالقوة، وإمّا تغادر القوات الأوكرانية هذه الأراضي وتتوقف عن القتال هناك».

ويرى الخبراء، أن معركة دونباس قد تمتد لأربع سنوات نتيجة التعقيدات الميدانية والسياسية، حيث تواجه السيطرة الكاملة على المناطق المستهدفة مقاومة محلية مستمرة، وفي الوقت ذاته تسعى روسيا لترجمة تفوقها العسكري إلى مكاسب على الأرض.

وأضاف الخبراء أن أوكرانيا تحاول الصمود بدعم جزئي من الحلفاء، في حين يظل الحل السياسي صعبًا بسبب التشبث بالمواقف وشروط روسيا الصعبة، هو ما يثير تساؤلات حول ما إذا كان الصراع عبارة عن رسالة تحذير أمريكية لأوكرانيا أو تحد مباشر لموسكو.

في البداية، قال نبيل رشوان، المحلل السياسي والخبير في الشؤون الروسية، إن معركة دونباس باتت عمليًّا شبه محسومة ميدانيًّا، إلا أن السيطرة الكاملة على أي منطقة تمهيدًا لضمها إلى روسيا تستلزم الوصول إلى حدودها الإدارية بنسبة 100%.

وأكد رشوان أن مصطلح دونباس جغرافي يعني «حوض الدون»، ويشمل منطقتي لوغانسك ودونيتسك، مشيرًا إلى أن روسيا تعتبر هاتين المنطقتين جزءًا من أراضيها وفق الاستفتاءات التي أُجريت هناك.

ولفت إلى أن روسيا لا تقتصر على الحديث عن دونباس فقط، بل تدرج زابوريجيا وخيرسون ضمن المناطق المضمّنة، رغم عدم سيطرتها الكاملة عليهما حتى الآن، إضافة إلى شبه جزيرة القرم التي تسيطر عليها منذ 2014 دون اعتراف دولي واسع.

وأشار الخبير في الشؤون الروسية إلى أن دولًا كبرى مثل الصين لم تعترف حتى اليوم بضم القرم، وواجهت تركيا وبيلاروسيا إشكالات سياسية وقانونية بشأن التعامل مع منتجات القرم بسبب العقوبات الغربية المفروضة عقب ضمّه.

وكشف الخبير أن الموقف الميداني المعقّد يجعل فرض السيطرة الكاملة أمرًا صعبًا، مؤكدًا أن التقدم الذي تحققه القوات الروسية في بعض المدن الصغيرة شرق أوكرانيا مثل مناطق في دنيبروبتروفسك وخاركوف يمثل «أوراق تفاوض» لتعزيز موقف موسكو في أي مفاوضات محتملة.

وأضاف أن روسيا كلما جمعت مزيدًا من هذه الأوراق، زادت قدرتها التفاوضية، معتبرًا أن ملف دونباس والمقاطعات الأربع مع القرم محسوم بالنسبة لروسيا لأنها أصبحت جزءًا من الدستور الروسي، وهو ما يجعل التنازل عنها شبه مستحيل سياسيًّا ودستوريًّا.

وأشار رشوان إلى أن تنازل الرئيس بوتين عن أيٍّ من هذه المناطق سيُعد مخاطرة سياسية داخلية، قد تفتح الباب أمام انتقادات وطنية، رغم تمتعه بـ«قوة سياسية وكاريزما وتأثير كبير داخل روسيا».

وأكد أن المناطق المضمّنة ما زالت تواجه مقاومة في أجزاء عدة مثل الشمال في زابوريجيا ومناطق كوبيانسك، مشيرًا إلى أن الوصول إلى الحدود الإدارية لهذه المناطق يحتاج إلى وقت وجهد كبيرين.

في السياق ذاته، قال ياسين رواشدي، الأكاديمي والدبلوماسي المتخصص في شؤون أوروبا الشرقية، إن أوكرانيا لا تزال تواجه عدوانًا روسيًّا مباشرًا على أراضيها، أسفر عن احتلال نحو 20% من مساحة البلاد.

وأضاف أن تدخل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لفرض اتفاق سلام يطرح تنازلات صعبة، تتطلب من أوكرانيا التخلي عن جزء من أراضيها مقابل تحقيق السلام.

ولفت إلى أن أوكرانيا تلقَّت دعمًا من حلفائها، لكنه غير كافٍ، مشيرًا إلى أن التجربة العسكرية كشفت تحديات تتعلق بترتيب البيت الداخلي واستثمار الموارد المحلية، حيث باتت كييف قادرة على تأمين نحو 40%من سلاحها من مصادر وطنية.

وأكد المتخصص في شؤون أوروبا الشرقية، أن أوكرانيا لن تستطيع الصمود دون دعم أوروبي، مشيرًا إلى أن الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو يدركان أن دعم كييف يُعد دعمًا للأمن والاستقرار في القارة الأوروبية، إلا أن هذا الدعم لم يُترجم عمليًّا بالكامل بعد.

وأضاف أن كل زيادة في الدعم العسكري الأوروبي تمنح أوكرانيا قدرة أكبر على الثبات في مواجهة الهجمات الروسية، مؤكدًا أن قدرة روسيا على استمرار الحرب محدودة بسبب المشكلات الداخلية والمقاطعة الاقتصادية الدولية، إضافة إلى الضغوط الداخلية المتزايدة.

وأوضح رواشدي، أن أصواتًا داخل روسيا وإن كانت محدودة، تدعو إلى وقف الحرب، معتبرة إياها عبثية وغير ضرورية، مشيرًا إلى أن استمرارها يضر بسمعة روسيا وقدراتها الداخلية.

وأشار رواشدي إلى أن الطرفين، روسيا وأوكرانيا، يعيشان حالة توجس وحذر ورغبة في إنهاء القتال، إلا أن روسيا ترغب في استثمار تفوقها العسكري لتحقيق مكاسب على الأرض، ولا سيما في شبه جزيرة القرم والطريق البري الذي يربطها بدونباس.

وأكد أن الحل السياسي يبدو صعبًا في الوقت الراهن، مع تمسك روسيا بشروط صعبة لوقف إطلاق النار، وعدم قدرة كييف على تقديم تنازلات مسبقة، مؤكدًا أن إيجاد حل وسط يرضي جميع الأطراف يبدو مستحيلًا في ظل التشبث بالمواقف القصوى وعدم وجود بيئة دولية مناسبة لدفع المسار السياسي قدمًا.

إرم نيوز

زر الذهاب إلى الأعلى