أقلام حرة

“هند تحت الحصار” فيلم يفتح أبواب الجحيم على حقيقة قتل الطفولة في غزة

الشاهين الإخباري-فداء الحمزاوي

افتتح مهرجان كرامة سينما الإنسان، في دورته السادسة عشرة، فعالياته بعرض فيلم “هند تحت الحصار”، الذي أعاد فتح الجرح الفلسطيني النازف، ناقلًا الجمهور مباشرة إلى قلب غزة، وتحديدًا إلى شمالها، حيث ارتُكبت الجريمة المروّعة بحق الطفلة هند ذات الخمسة أعوام.

كتبت الفيلم وأنتجته عايدة الامريكاني، الذي جاء ثمرة تعاون استثنائي بين طاقم التمثيل وطاقم الهلال الأحمر الفلسطيني الذي عاش تفاصيل الحدث الحقيقي لحظة بلحظة، هذا الاندماج بين الفن والواقع جعل العمل ينطق بالألم دون مواربة، ويعيد تجسيد ما عاشته هند وما واجهه طاقم الإسعاف، بدقة تضرب الأعصاب ولا تمنح العين فرصة للهروب من الحقيقة.

سمعنا جميعاً صوت هند في الحادثة عبر شاشات العالم، لكن الفيلم جعلنا نرى ما حدث، نعاينه بجسدنا وروحنا، حتى بدا وكأن المشاهدين يُزَجّون في قلب المأساة، يمكن الجزم أن دموع كثيرين انهمرت بلا توقف، لأن مواجهة حدث واقعي ينتهك الطفولة والإنسانية أمام مرأى العالم هو اختبار يفوق قدرة الإنسان على الاحتمال.

قدّم الممثلون أداءً استثنائيًا، فاق التوقعات، وأوصل الرسالة الإنسانية بقوة مذهلة، الطفلة إيلينا عسكر أبهرت الحضور بأدائها شخصية هند رجب، فيما نجحت الفنانة صوفيا الأسير في تجسيد دور المسعفة رنا الفقيه بعمق انساني وتقمّص كامل للحقيقة، بالإضافة لجدية ضياء حرب بتأدية دور المسعف عمر علقم، وقد بلغ التأثير حدّ أن أعضاء الطاقم الحقيقي من الهلال الأحمر غادروا القاعة، غير قادرين على مشاهدة ما عاشوه سابقًا يُعاد أمامهم بهذا الصدق المؤلم.

المخرج ناجي سلامة اختار تصوير جنود الاحتلال كوحوش، مجسّدًا إياهم على هيئة مصاصي دماء داخل بزاتهم العسكرية، في إسقاط مباشر على الاسم الذي أطلقه الكيان فعلًا على الوحدة التي نفذت الجريمة، “كتيبة مصاصي الدماء”، وكأنه إعلان فاضح للفخر بقتل الأطفال ليلًا ونهارًا.

الفيلم لا يروي فقط قصة هند، بل يعكس نموذجًا من نماذج الإبادة الجماعية في غزة، قصة يوسف وأحمد، المسعفين اللذين استشهدا وهما يحاولان إنقاذ الطفلة، امتدت في الفيلم كجسر إنساني موجع، فكلاهما أب ترك خلفه طفلًا يتيمًا يواصل حياته دون أب، المسعفة رنا ورفاقها في غرفة العمليات ما زالوا يسمعون صدى صوت هند في آذانهم، وصدى عشرات الاستغاثات الأخرى، بعضها تمكنوا من تلبيته، وبعضها شهدوا عليه وهو يذهب نحو الشهادة.

أما والدة هند، التي دفعتها غريزة الأمومة لإرسال طفلتها إلى برّ أمان مؤقت هربًا من قصف محتوم، فقد تلقت أطول وأكثر مكالمة وجع يمكن لقلب أن يحتملها، تسمع خلالها آخر أنفاس ابنتها دون أن تملك سوى البكاء والصراخ.

قصة هند وثقتها الكاميرات، وسمعها العالم، لكن الفيلم يذكّر بأن هناك مئات القصص لم تجد من يرويها، قُصفت بيوتها ومُسحت أسماء أصحابها من السجلات قبل أن تُكتب.

“هند تحت الحصار” ليس فيلمًا فحسب، هو شهادة فنية وإنسانية على زمن يُقتل فيه الأطفال، ويبقى العالم صامتاً متفرجًا.

زر الذهاب إلى الأعلى