
“Blues” فيلم يحوّل آخر ورقة خضراء إلى صرخة حياة في وجه البنيان
الشاهين الإخباري-فداء الحمزاوي
في عرضه ضمن افتتاح مهرجان كرامة سينيما الإنسان بدورته ال16 بنك الحقوق في المركز الثقافي الملكي، جاء الفيلم الهندي “Blues” كقصيدة بصرية مؤلمة وشفافة، تستعيد صراع الإنسان مع الطبيعة وتوثّق، بريشة كرتونية آسرة، كيف يمكن للتطوّر العمراني أن يتحول إلى فعل انتهاك يمحو الخضرة والبحر والفراشات, بل وبراءة الطفولة ذاتها.
يبدأ الفيلم من مشهد طفلة تلعب بحريّة في مرج أخضر، بين أشجار مورقة وألوان تنبض بالحياة، لحظة واحدة تغمض فيها عينيها، لتستيقظ على عالم آخر، عالم يشبه خريفًا مفاجئًا سرق خضرة المكان، وبخّر مياهه، وترك خلفه ناطحات سحاب تلتهم السماء، وألوانًا تلاشت حتى بات كل شيء رمادياً، وكأنه يوم القيامة بالنسبة لطفلة لم تعرف بعد سوى معنى اللعب.
تبدأ الركض خلف آخر ورقة خضراء تتطاير في الهواء، تركض كأنها تركض خلف ما تبقّى من روح الطبيعة التي أحبتها، حولها آليات بناء ضخمة، وأصوات تمدّد البنيان تخترق قلبها بالخوف، لكنها لا تتراجع. تواصل ملاحقتها للورقة التي بهت لونها أثناء طيرانها، إلى أن تقع بين يديها، تنظر إليها بحزن، فتذرف دمعة تُبلّلها وتعيد إليها خضرتها وسط عتمة الإسمنت والحديد، تبتسم الصغيرة، وتترك الورقة تسقط على الأرض، هناك، حيث الأمّ الأولى لكل الكائنات، تنبض الحياة من جديد، تتجذر الورقة، ويشمخ منها ساق أخضر يصعد نحو السماء، معلنًا ولادة شجرة الحياة التي تبث الروح في كل المكان، وتعيد الألوان إلى الأرض كما لو أن الطبيعة تحاول أن تقول، الأمل لا يموت.
هذه الروح هي ما أكده المخرج الهندي راجيش بي كي في تسجيل مصوّر تحدّث فيه عن الفيلم، روى أن الفكرة وُلدت لحظة كان جالسًا تحت شجرة، وحين أغلق عينيه تخيّل أن الشجرة اختفت، ظلّ هذا الخيال يطارده لسنوات، ككابوس يذكّره بهشاشة وجودنا أمام ما نبنيه ونهدمه في آن واحد.
لكنه كان أيضًا الشرارة التي أوقدت فيلم “Blues”، الذي رسمه المخرج خطوة بخطوة، مُصِرًّا على البساطة، وعلى أن يحمل كل مشهد روح لوحة فنية يمكن تعليقها على جدار، وأن تصل الفكرة بلا تعقيد، وبكل ما يلزم من صدق وجمال.
في النهاية يطرح الفيلم رسالة عميقة لطالما حاول الإنسان التغاضي عنها وهي، أن الإنسان هو صانع الحياة، وهو قاتلها، وبين يديه يبقى الأمل، ما دام هناك من يلهث خلف آخر ورقة خضراء.






