
ما دلالات تعيين العسكري رومان غوفمان على رأس “الموساد”
الشاهين الاخباري
حذّرت مصادر سياسية إسرائيلية وفلسطينية مطلعة من فرضية إقدام إسرائيل خلال المرحلة القادمة على عمليات تصفية واستهداف لقيادات سياسية وعسكرية تابعة لميليشيات “حزب الله” خارج لبنان وحركة “حماس” خارج غزّة، فيما حذّرت أطراف إسرائيلية معارضة لتعيين العسكري رومان غوفمان على رأس “الموساد” من مغبة تكرار سيناريو محاولة اغتيال خالد مشعل في العاصمة الأردنية عمّان في 1997.
وتشير المصادر الإسرائيلية والفلسطينية إلى أنّ المرحلة الحالية يمكن تسميتها بمرحلة “اصطياد الرؤوس الأخيرة” في ميليشيا “حزب الله” وحركة “حماس”، حيث تبتغي إسرائيل أن تنطلق المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في غزّة، دون وجود للأسماء السياسية المعروفة التي قد تمثل حجرة عثرة أمام نزع سلاح حماس وتحويل القطاع برمته إلى منطقة منزوعة السلاح بالكامل.
وكثيرًا ما يُنظر لقيادات حركة “حماس” في الخارج، كآخر المتبقين من الصف القيادي العسكري والسياسي للحركة، بعد أن نجحت إسرائيل في القضاء على الصف السياسي والعسكري الأول داخل غزة والضفة الغربية.
اختلاف كبير حول “غوفمان”
وتكشف المصادر أنّ إسرائيل التي سبق أن هدّد رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو باستهداف القيادات السياسية لحركة “حماس”، وللفصائل الفلسطينية الأخرى في أي مكان من العالم، تحضر لاستهداف قيادات الحركة في دول غير عربية، في إشارة واضحة لتركيا.
ويتقاطع هذا المنزع الإسرائيلي، مع التعيين الجديد المرتقب لرومان غوفمان على رأس جهاز “الموساد”، خلفًا لديفيد برنياع الذي ستنتهي ولايته في يونيو/ حزيران 2026.
وتكشف مصادر إسرائيلية سياسية وعسكرية مطلعة أنّ تعيين غوفمان يتنزل ضمن وظيفية استخباراتية إسرائيلية واضحة، تقوم على ضرورة التطابق بين الرؤية السياسية ممثلة في رئاسة الوزراء والرؤية الاستخباراتية مجسدة في جهاز “الموساد”.
وتضيف أنّ بنيامين نتنياهو تجاوز العُرف المعمول به بتعيين شخصية مهنية من “الموساد” على رأس الجهاز، لأنّ الحاجة اليوم تفترض وجود شخصية تنفيذية تعاضد التّصور الأمني والعسكري لنتنياهو في ملاحقة قيادات حركة “حماس” في الخارج، ولا تعرقله بإجراءات لوجستية وتقنية معقدة.
الشخصية المثلى
ويرى أنصار قرار نتنياهو أنّ جوفان صاحب الخلفية العسكرية، قد لا يمثل الشخصية الحُسنى والفضلى لرئاسة “الموساد”، ولكنه بالتأكيد الشخصية المُثلى في هذا التوقيت السياسي والاستخباراتي الصعب، حيث تتعاظم قوة ميليشيا “حزب الله” بالاستفادة من شبكة علاقات اقتصادية واستثمارية وعسكرية عابرة للأقطار، فيما تعتمد إيران السكوت الإستراتيجي استعدادًا للمنازلة القادمة، أما حركة “حماس”، فلا يمكن الحديث عن تفكيكها بالكامل دون ضرب مقوّماتها العميقة والمتمثلة في العلاقة المتشابكة بين الداخل والخارج، وفصل الخارج بشكل كامل عن الداخل.
ويعتبر هؤلاء أنّ جوفان الذي سبق أن اشتغل في مواقع عسكرية ميدانية متقدمة، وشغل السكرتير العسكري لنتنياهو خلال السنوات القليلة الماضية والذي شاركه بالتالي الكثير من القرارات الصعبة والمصيرية، سيكون مساعدًا له في استكمال تحقيق الأهداف الكبرى للحرب الإسرائيلية، فالسياق لا يحتاج “لمحامي شيطان”، بقدر ما يحتاج لامتداد تنفيذي استخباراتي لما يفكر فيه نتنياهو وما يعزم على فعله.
نتنياهو ينقلب على الوظائف المهنية
في مقابل هذا التصور، يرى خبراء عسكريون ومتابعون للشأن الإسرائيلي أنّ قرار تعيين غوفمان، يتناسق مع جملة القرارات التي اتخذها نتنياهو خلال السنوات الماضية، والتي لامست المناصب العسكرية والأمنية الكبرى في إسرائيل.
فاختيار نتنياهو لـ”نخبة الأصدقاء المطيعين الخاضعين”، تَمثّل جليًّا في تنصيبه ليسرائيل كاتس كوزير للدفاع، وهو الشخص المقرب لسارة نتنياهو قبل بنيامين ذاته، وتجسد أيضًا في تعيين روني ألون على رأس جهاز “الشاباك” في أكتوبر/ تشرين الأول المنصرم، وها هو اليوم يتجسد بشكل واضح في تعيين جوفان على رأس جهاز “الموساد”.
وتجدر الإشارة إلى أنّ برنياع اقترح على نتنياهو اسمين من داخل الجهاز لخلافته في المنصب، إلا أنّ الأخير رفضهما وتمسك بقرار تعيين شخصية عسكرية من خارج “الموساد”.
ولئن أثار هذا التعيين استهجان القيادات الأولى في الموساد واستغراب بعض الخبراء العسكريين، إلا أنّه من المقرر أن يحظى بموافقة اللّجنة العليا للتعيينات، التي من المنتظر أيضًا أن تُحقق في ملفّ الأهلية والاستحقاق بشكل دقيق جدّّا، قبل إصدار موقفها النهائي بالإقرار.
الموساد ضامن نجاح عمليات الاغتيال
وفي مقابل، كل ماسبق، تؤكد مصادر عسكرية واستخباراتية مطلعة أنّ قرار تنصيب غوفمان يتناقض مع الرؤية الإسرائيلية في “الذراع العسكرية الممتدة” إلى الخارج.
وتشير في هذا السياق إلى أنّ وجود قيادي عسكري على رأس جهاز “الموساد” خطأ مهني وإستراتيجي واستخباراتي من الضروري تفاديه مبكرًا. إذ تؤكد أنّ الضربات العسكرية والأمنية الإسرائيلية لقيادات حركة “حماس” وميليشيا “حزب الله”، تكون ناجعة وقاصمة عندما ينضم لها “الموساد” وتكون له اليد الطولى في التخطيط والإنجاز، وتكون في المقابل فاشلة وعاجزة وتُعرّي إسرائيل أمام حلفائها وأعدائها كلما تم تحييد “الموساد” أو تم تعيين عسكري على رأسه.
وتضيف انّ عملية الدوحة فشلت فشلًا ذريعًا، لأنّ الموساد كمؤسسة استخباراتية مهنية رفضت الانضمام لهذه الضربة وتوقعت فشلها في تحقيق الهدف، وقد فضحت العملية الضعف الاستخباراتي الذريع للشاباك ولوزارة الدفاع اللذين تبنيا العملية في وقت لاحق.
وبالتالي فإنّ رفض برنياع لعملية الدوحة، يؤكد استحقاق “الموساد”، وقدرته على استقراء العمليات الناجحة والناجعة من عدمها، وهو ما يحتاج لتثمين إسرائيلي، وهو ما كان “الموساد” ينتظره من الكابينت الإسرائيلي.
وتشير التقديرات الإسرائيلية إلى أنّ “الموساد” يرى في تعيين جوفان إنكارًا لنتنياهو لهذه الحقيقة، وتواصلًا في العناد السياسي المعروف عنه، والأخطر من كل ذلك أن يكون ضربًا للمسافة الاستقلالية للموساد، وتوظيفه في المغامرات العسكرية المرتقبة لنتنياهو، وهي مغامرات يٌقصد في جزء منها رسملة اسمه كمرشح قوي في السباق الانتخابي القادم على منصب رئيس الوزراء.
كابوس سيناريو اغتيال مشعل
وفي السياق التحذيري ذاته من مغبة هذا القرار، ترى مصادر سياسية إسرائيلية أنّ “الموساد” يحتاج لشخصية مهنية من داخله تعرف التفاصيل وتدرك طبيعة العمل الاستخباراتي وتحسن التعاطي والتعامل مع الوقائع ومع المعلومات الثمينة.
وتحذّر من أنّ تعيين نتنياهو لغوفمان في 2026 وتحضيره للعمليات العسكرية والاستخباراتية القادمة خارج إسرائيل، هو شبيه تمامًا بتعيين نتنياهو لداني ياتوم في 1996 على رأس “الموساد” لتحضير عمليات اغتيال في الأردن.
وتؤكد أن تعيين ياتوم حينها كان ضربًا للأعراف المهنية في تعيينات “الموساد”، إذ للمرة الأولى في تاريخ إسرائيل يتم استقدام شخصية بخلفية عسكرية لقيادة “الموساد”.
وقد أفضت عهدته على رأس الموساد إلى أكبر عملية اغتيال فاشلة في تاريخ الموساد، حيث حاول الأخير اغتيال خالد مشعل في العاصمة الأردنية عمّان، وافتضح أمرها وكان على إسرائيل جلب الترياق لإنقاذه والاعتذار للملك حسين، والانخراط في مسار دبلوماسي كامل لعدم تعريض العلاقات الأردنية الإسرائيلية الفتية حينها (بُعيد التوقيع على اتفاق وادي عربة)، لخطر الانقطاع التام.
وعلى ضوء هذه العملية، اضطر ياتوم للاستقالة في 1998، وخلفه إفرايم هليفي الذي كان ديلوماسيًّا واستخباراتيًّا قديمًا، وعمل على إصلاح العلاقات الإسرائيلية الأردنية.
في هذا المفصل، يؤكد المتابعون أنّ نتنياهو الثاني لم يتعلم من أخطاء نتنياهو الأوّل، حيث أنّه يدفع بشخصية عسكرية صرفة لرئاسة جهاز “الموساد” في هذه الظروف الحساسة.
وحسب المتابعين ذاتهم، فإنّه كان من الضروري والأساسيّ أن تكون عملية الدوحة في 2025 وعملية عمّان 1997، قرينتين بأنّ وصفة نجاح العمليات الأمنية خارج إسرائيل تتمثل في مشاركة “الموساد” أولًا، وعدم تعيين شخصية من خارجه على رأسه ثانيًا.







