
المركز الصيني-العربي للإصلاح والتنمية: منصة استراتيجية لتعزيز التعاون وبناء القدرات العربية
أ.د.حسن الدعجه
استاذ الدراسات الاستراتيجية بجامعة الحسين بن طلال
يمثّل المركز الصيني-العربي للإصلاح والتنمية أحد أبرز المؤسسات المتخصصة التي أطلقتها الصين في إطار منتدى التعاون العربي–الصيني، بهدف تعزيز الشراكة الاستراتيجية بين الجانبين، وبناء جسور معرفية وتنموية عابرة للحدود. وقد جاء تأسيس المركز تتويجًا لرؤية الرئيس الصيني شي جين بينغ، الذي شدد في خطابات عدّة على أهمية توفير منصة مشتركة لتبادل الخبرات في مجالات الإصلاح والتنمية، ودعم جهود الدول العربية في تحقيق النمو المستدام والحوكمة الرشيدة.
منصة دولية لنقل الخبرة وتبادل المعرفة ؛ يقدّم المركز رؤية شاملة للتعاون العربي–الصيني تقوم على مشاركة التجربة الصينية في مسارات التنمية والإصلاح الاقتصادي، من خلال برامج تدريبية، ومشاريع بحثية، وأنشطة ثقافية تسهم في الارتقاء بقدرات الكوادر العربية. ويعمل المركز على تكييف النماذج والبرامج بما يناسب خصوصية كل دولة عربية، بما يجعل منه أداة عملية لدعم خطط الإصلاح الحكومي وبناء القدرات المؤسسية.
كما يهدف المركز إلى:
• تطوير الموارد البشرية العربية من خلال برامج تدريبية متقدمة تعتمد على أحدث المناهج الصينية في الإدارة والحوكمة والتنمية.
• إجراء دراسات معمقة حول الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي، تقدم لصناع القرار رؤى عملية مدعومة بالأدلة.
• تعزيز التفاهم الثقافي والحضاري بين الشعبين العربي والصيني عبر تبادلات ثقافية وفعاليات مشتركة.
• تفعيل التعاون ضمن مبادرة الحزام والطريق من خلال دعم التخطيط التنموي وتسهيل التواصل بين المؤسسات الحكومية والأكاديمية في الجانبين.
• تأسيس منصة للحوار الدولي تعنى بالتحديات التنموية المعاصرة وبناء سياسات مستقبلية مستدامة.
كما يعد التدريب المحور الأساسي في أنشطة المركز، حيث ينظم دورات يستفيد منها آلاف المسؤولين والخبراء من مختلف الدول العربية. وتشمل البرامج:
• الإصلاح الإداري وتطوير الخدمات الحكومية.
• التحول الاقتصادي ومكافحة الفقر.
• الحوكمة الرقمية وإدارة التحول التكنولوجي.
• التنمية المستدامة وإدارة المشاريع الكبرى.
وتتضمن الدورات مزيجًا من المحاضرات النظرية والزيارات الميدانية والنقاشات المفتوحة مع متخصصين صينيين، ما يمنح المشاركين معرفة تطبيقية قابلة للتنفيذ في مؤسساتهم.
وبصفته مركزًا بحثيًا، ينتج المركز سلسلة دراسات وتقارير دورية تغطي مجالات الإصلاح والتنمية، وتقدم مقارنات موضوعية بين النماذج التنموية الصينية والعربية. كما يسهم في إعداد أوراق سياسات تدعم الوزارات والمؤسسات الحكومية العربية في تصميم برامج إصلاح فعالة، مستندًا إلى تجربة الصين التي تُعد إحدى أنجح التجارب العالمية خلال العقود الأخيرة.
ولا يقتصر دور المركز على التدريب والبحث فحسب، بل يمتد ليشمل تفعيل التواصل الثقافي بين الجانبين. فهو ينظم ندوات ومنتديات ثقافية، ويستضيف وفودًا عربية وصينية تلتقي في أنشطة تهدف إلى تعزيز التفاهم المتبادل وبناء جسور الثقة. وتبرُز في نشاطات المركز أهمية الثقافة كمدخل لتعميق العلاقات الاستراتيجية على المدى الطويل.
ويلعب المركز دورًا عمليًا في دعم مبادرة “الحزام والطريق”، من خلال إعداد كوادر عربية قادرة على الانخراط في مشاريع المبادرة، وتوفير دراسات تساعد الدول العربية على التخطيط الأمثل للتعاون الاقتصادي مع الصين. وبذلك يتحول المركز إلى حلقة وصل معرفية تسهم في إنجاح الشراكات المستقبلية في مجالات البنية التحتية، والطاقة، والتكنولوجيا، والاستثمار.
ويمثل المبنى الجديد للمركز، كما يظهر في المواد الإعلامية الرسمية، منشأة حديثة مصممة لتلبية احتياجات التدريب والبحث المعاصر، إذ يضم قاعات مجهزة، ومراكز محاكاة، ومرافق تستقبل الوفود العربية المشاركة في البرامج. وهو ما يعكس اهتمام الصين بتوفير بيئة متكاملة تدعم أهداف المركز ورسالته.
إن المركز الصيني-العربي للإصلاح والتنمية يجسد مرحلة جديدة من التعاون العربي–الصيني تقوم على المعرفة، والتخطيط المشترك، وتنمية الإنسان. فبفضل برامجه المتقدمة ودراساته الرصينة وأنشطته الثقافية الواسعة، أصبح المركز اليوم منصة استراتيجية تعزز قدرات الدول العربية، وتفتح آفاقًا واسعة للتعاون المستقبلي ضمن رؤية تقوم على التنمية الشاملة والازدهار المشترك.






