أقلام حرة

الشيخ جمال حديثه الخريشا (أبو حديثه) – قائدٌ وُلِد ليبقى في الذاكرة(1937-2025)

محمد الخريشا

خيم الحزن على بلدة الموقر، بل على كل زاوية من وطننا الحبيب، إثر فقدان واحد من أعظم رجالاته، الزعيم الشيخ جمال حديثه الخريشا، الذي كان بحق قائداً متميزاً، ورجلاً لا يشبه سواه ،رحيله عن دنيانا في عام 2025 ترك فراغاً كبيراً في قلوب الجميع وسط الحزن والصدمه و كان يشعر الكل بالفقد و الكسر ، إذ كان صاحب هيبةٍ عظيمة، وحضورٍ طاغٍ، ورجولةٍ لا تتكرر.
أبو حديثه لم يكن مجرد اسم، بل كان رمزاً للأصالة والكرامة، الرجل الذي صنع حضوره بثباته، وأرسى مكانته بين أبناء وطنه وقبيلته بأخلاقه وحكمته دون اي تكلف او تصنع ، وبتلك الشخصية التي لا تحتاج إلى الكثير من الكلام لتُسمع، ولكن كلماته كانت دائماً موضع احترام وتقدير،كان صامتاً إلا من أفعاله، قليل الحديث ولكن كثير التأثير، لا يطلب النفوذ ولكنه كان يجده يتبع خطواته أينما حلّ كان الزعيم رغم امكانياته المادية القويه جداً إلا أنه ليس ممن يحبون الترف والزينه الزائدة فقد كان يركب سيارته المتواضعه من نوع برادو ولكن كان من يراه يشعر بتلك الهيبه كيف لا وهو من لقبه ابناء قبيلته ب( بالبلدوزر) .
لقد ورث أبو حديثه شخصيته الفذة من والده الشيخ حديثه بن علي الخريشا، شيخ مشايخ قبيلة بني صخر وزعيمها الأشهر، الذي عُرف بلقب “صاحب الذراع الطويل” لتمكنه ونفوذه الواسع في بادية الشام والجزيرة العربية من والده تعلم كيف يكون القائد الحكيم، وكيف يحمي الأرض والعرض، وكيف يرسي العدالة بين الناس ويكسب محبتهم.
ومع مرور الزمن، انتقلت الزعامة والمسؤولية إلى جمال حديثه الخريشا، الذي حمل أمانة والده بجدارة، وظل مخلصاً لمبادئه وثوابته، محافظاً على أسم قبيلته وعراقتها،لم يكن دوره يقتصر فقط على حماية الضيوف والقيام بمسؤولياته القبلية، بل كان أيضاً داعماً رئيساً للثوار والمجاهدين العرب، حيث كانت داره ملاذاً آمناً للكثير من القادة الوطنيين.
إنه من بيتٍ كريمٍ وعائلةٍ تحمل عبء الأمانة والوفاء،فكما كان والده ملجأً للثوار، كان هو الآخر، في شبابه ورجولته، على ذات الدرب، يستقبل الضيوف الكرام من أبناء الأمة العربية، ويوفر لهم الأمان في زمنٍ كانت فيه الأرض مليئة بالصراعات، كان من بين الذين لجأوا إليه من القادة الذين لا يُعدّون ولا يُحصون، مثل عبد الرحمن الشهبندر، شكري القوتلي، وسلطان باشا الأطرش، وغيرهم من الرموز الوطنية والعربية، الذين وجدوا في بيت الشيخ جمال الخريشا الأمان والوفاء ومروءة الفرسان.
ولم يكن الشيخ حديثه وحده في هذا المشوار الطويل؛ فقد كان برفقته في كل خطوة من خطواته رجالٌ أبطالٌ من أبناء عمومته وإخوانه، مثل عرقوب،جدوع الخريشا، وعبطان الخريشا، وطراد الخريشا، وكليب الخريشا،مشاش الخريشا ،الأشقر الخريشا الذين شكّلوا صفًا من الرجال المخلصين الذين تَذكُرُهم الأيام بكل فخر، وتُرفع لهم القبعات احتراماً لمواقفهم.
أما جمال حديثه الخريشا الابن، فقد كان مثالًا للزعيم الحر الذي لا ينحني إلا لله، ولا يقبل المساومة على مبدأ، والمتواضع جداً كان عزة نفسه وكرامته منبعاً لإلهام الآخرين،حتى بعد رحيله، بقي اسمه خالداً في الذاكرة الوطنية والقَبَلية، ورمزاً للقوة والشهامة والنخوة العربية الأصيلة.
في عصرنا الحديث نشأنا على مدرسة من المسؤولية والعزيمة التي وجدناها في كل حكمة كان يتحدث بها معالي المرحوم الشيخ أبوحديثة في مختلف اللقاءات، معاني الوطنية والحث على المشاركة في الحياة العامة وتعزيز المستوى التعليمي بين أبناء البادية من شبابها لم يكن عابراً بل هي ركيزة الدور المجتمعي الذي كان يهمه ويعنيه، المدرسة العسكرية والجندية كانت عنوان للإلتزام والأنضباط في حياته وهي أساس عميق لمفهوم التلاحم بين أبناء الوطن وقيادتنا الهاشمية الحكيمة التي لطالما هي إشادته الراسخة في كل توجيه أو لقاء بحجم ما أن تسير عليه الأجيال الشابة في تلبية رؤية جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين المفدى وسمو ولي عهده الأمير الحسين بن عبدالله، حفظهما الله ورعاهما بأن الوطن وتنميته ورفعته هي رسالة تتوارثها الأجيال المتعاقبة.

رحم الله أبا حديثه، وجعل مثواه الجنة، ونسأل الله أن يلهمنا الصبر في فقده، وأن يثبته في دار النعيم. إن إرثه سيكون دائماً في قلوبنا، حكاية يُمجدها الزمان، وقيمة يتعلم منها الأجيال القادمة.

زر الذهاب إلى الأعلى