أقلام حرة

صراع انتخابي مقبل لدى الأميركيين

حمادة فراعنة

على الرغم من التفاوت الطبقي بينهما، والخلاف الأيديولوجي، وتعارض مصالح الحزبين، تجاوب الرئيس الأميركي ترامب واستقبل رئيس بلدية نيويورك زهران ممداني يوم 21/11/2025.
لطرفي اللقاء مصلحة في عقده، وإلا لما تم، فالرئيس الأميركي أراد أن يقول و ان يعطي انطباعاً أنه يسعى لخدمة سكان المدن الكبرى، على الرغم من أنها تُقاد من قيادات تتبع للحزب الديمقراطي، فهو يتصرف كما هو مفترض انه رئيس لكل الأميركيين، ويعمل على خدمتهم حتى ولو لم يتجاوبوا مع توجيهاته ورغباته في دعم مرشحين ينتمون لحزبه ولم يحالفهم حظ الفوز والنجاح.
وممداني الذي لم يتراجع عن تصريحاته ضد الرئيس ترامب، وأصر عليها حتى بعد استقباله في البيت الأبيض، فقد حرص على تقديم رسالة مزدوجة من عنوانين: أولهما أنه يريد خدمة سكان مدينته، ولذلك لجأ إلى الرئيس الخصم الذي وقف ضده وعمل على عدم فوزه، لأن لديه مصلحة في الحصول على مساعدات من الدولة لصالح مدينته، وثانيهما أنه لم يتراجع عن سياساته المعلنة، ومواقفه ضد الرئيس ترامب وضد سياسات حزبه.
كلاهما ترامب وممداني كان براغماتياً، أعطى الأولوية، كل منهما لصالح تجديد ولايته، أو حزبه، أو قواعده الانتخابية، خاصة وأن هناك انتخابات نصفية لمجلس النواب في شهر تشرين الثاني عام 2026، ترامب يسعى لحفاظ حزبه على الأغلبية البرلمانية، وممداني يسعى إلى تغيير موازين القوى لدى مجلس النواب نحو كسر هيمنة اغلبية الجمهوريين، لعل الديمقراطيين يفوزون بمزيد من المقاعد تؤهل حزبهم كي يكون له الأغلبية، وبذلك يُعطل هيمنة الرئيس ترامب والجمهوريين على إدارة مجلس النواب، وبالتالي سيعطي ذلك مؤشراً لصالح الديمقراطيين باتجاه الانتخابات الرئاسية المقبلة بعد أربع سنوات، وسيعمل الحزب على تعطيل قرارات ترامب وتعطيل توجهاته التي تحتاج للأغلبية البرلمانية.
ممداني ديقمراطي اشتراكي وترامب جمهوري محافظ، وهما في حالة تجاذب، من جهة، وفي حالة صراع من جهة أخرى، ليس فقط لدوافع انتخابية مقبلة، بل هما يعكسان حالة التحول التي تجتاح المجتمع الأميركي، فالتسلط والهيمنة والتفرد لدى الطبقات الرأسمالية الكبرى لا تكترث للشرائح الاجتماعية التي تعصف بها البطالة والفقر وسوء الخدمات، وغيرها، وهؤلاء يبحثون عن قيادات جديدة تعبر عنهم وتدافع عن مصالحهم، كما أن تفاوت المصالح والاحتياجات والانحيازات تفرض نفسها بين المهاجرين الأوروبيين الذين أسسوا الدولة، وبين المهاجرين والقادمين الجدد الذين ينتمون للقارات الآسيوية والافريقية واللاتينية، ويجدون أنفسهم الشريحة الدنيا في مواجهة الشرائح الكبرى المتنفذة من الرأسمالية.
صراع ترامب وما يمثله، لا يقتصر فقط على ممداني وحده، بل هناك شخصيات مماثلة أكثر أو أقل في حدة توجهاتها، ولكنها تقف في وجه ترامب وتعمل على إحباطه وهزيمته أمثال كريس مورفي من ولاية كونيتيكت، وكوري بوكر من ولاية نيوجرسي، وجافين نيوسوم من كاليفورنيا، كأعضاء في الكونغرس، أو حكام ولايات، والعشرات امثالهم من رؤساء البلديات، الذين يتطلعون للتغيير وإسقاط ترامب وسياساته المدمرة ليس فقط للمصالح الحيوية للشرائح الفقيرة والمتوسطة، بل ولمكانة الولايات المتحدة ومصالحها الاقتصادية وعلاقاتها مع الحلفاء بسبب سياسات الجمارك التي رفعت من أسعار السلع المستوردة، وأضرت بالسلع الأميركية الموردة للبلدان الأخرى وخاصة للصديقة للولايات المتحدة.

زر الذهاب إلى الأعلى