أقلام حرة

موظفون يعملون بنظام الفزعات … والعليق عند الغارة ما ينفع

فداء الحمزاوي

شهدت محافظات الأردن اليوم موجة أمطار غزيرة كشفت مرّة أخرى هشاشة البنية التحتية أمام أول اختبار حقيقي لهذا الموسم، السيول تشكّلت سريعاً، المركبات غرقت أو جرفتها المياه، والطرقات تحوّلت إلى مشاهد فوضى، بينما وقف المواطنون أمام تكرار مألوف لا يحمل أي عنصر مفاجأة سوى حجم الضرر المتجدد كل عام.

ورغم أن المؤسسات المعنية تضم آلاف الموظفين وتخصص رواتب وميزانيات كبيرة لأعمال الصيانة، إلا أن السؤال ما يزال معلقاً بلا إجابة، لماذا يبدو كل منخفض جوي كأنه يداهم البلاد دون سابق إنذار؟ أين الفرق الميدانية التي يُفترض أن تفتح العبارات قبل هطول المطر؟ وأين خطط الطوارئ التي يتم الحديث عنها مطولاً في المؤتمرات والتصريحات الرسمية؟

وتزداد علامات الاستفهام حين يُلقى باللوم على المواطنين بدعوى أنهم يتسببون بإغلاق العبارات خلال فصل الصيف، وحتى لو صحّ ذلك في بعض المواقع، فإنه لا يعفي الجهات المسؤولة من واجبها الأساسي، فالموظفون الميدانيون وُجدوا تحديداً لمتابعة هذه المواقع وفتح العبارات بشكل دوري، بغضّ النظر عن الجهة التي تسببت في انسدادها، إن تحويل المسؤولية إلى المواطن ليس سوى محاولة للالتفاف على حقيقة أن الإهمال المؤسسي هو من يسمح بتكرار هذه الأزمة عاماً بعد عام.

المشهد يعيد طرح تساؤلات أعمق حول آلية اتخاذ القرار، ومراقبة الأداء، ومحاسبة المقصرين، إذ لم يعد مقبولاً أن تتحرك الجهات المسؤولة وفق مبدأ “ردة الفعل” بعد أن تتصدر صور الغرق منصات التواصل الاجتماعي، ويتحول المواطن إلى مراسل ميداني ينشر ما كان يفترض أن تتم معالجته قبل أن يحدث.

في قلب هذه الأزمة يقف المواطن وحده أمام الخسائر، مركبات محطمة، ممتلكات تالفة، طرق مقطوعة، وتأخير عن العمل، وكل ذلك دون وضوح معايير التعويض أو الجهة التي ستتحمل مسؤولية ما حدث، والسؤال الأكثر إلحاحاً، هل سيبقى المواطن الحلقة التي تُحمّل التكلفة النهائية لكل تقصير؟

وفي الوقت الذي تُصرف فيه سنوياً مبالغ طائلة لتأهيل الشوارع وتحسين البنية التحتية، تبرز الحاجة لتوضيح أين تذهب هذه الميزانيات، وما مدى فعالية الرقابة على المشاريع التي يُفترض أن تمنع تكرار هذه المشاهد، فغياب المراجعة الجدية، ومتابعة التنفيذ، وتقييم جودة أعمال الصيانة، يفتح الباب واسعاً أمام الإهمال ليظهر في كل منخفض جديد بشكل أوضح وأشد.

أما على مستوى أمانة عمّان والبلديات، فقد أصبح من الضروري تقديم إجابات مباشرة لا تعتمد على الأعذار الجاهزة، بل على خطط ميدانية ملموسة تُطبق فعلياً، لا تلك التي تُطرح فور انتهاء المنخفض وتُنسى بعد أيام، فمشاهد السيارات التي غمرتها المياه اليوم من عدة مناطق في العاصمة والمحافظات لا تشير إلى “حالة طارئة”، بل إلى مشكلة بنيوية لا تُعالج بنشرات الطقس ولا بفرق تتدخل بعد وقوع الضرر وكأنها تعمل على نظام “الفزعات”.

اليوم أكثر من أي وقت مضى، يحتاج المواطن إلى أن يرى رقابة حقيقية، ومساءلة شفافة، واستعداداً مسبقاً يحترم حقه في طرقات آمنة وبنية تحتية تعمل كما يجب، وإلى أن يحدث ذلك، سيظل المطر في الأردن اختباراً لا تجتازه المؤسسات، ويظل المواطن يدفع الثمن عند كل غيمة ثقيلة تمر فوق البلاد.

زر الذهاب إلى الأعلى