أقلام حرة

حين تعود بالونات اختبار الاحتلال سالمه دون أن تُمس !!

فداء الحمزاوي

جاء السابع من أكتوبر كلحظة فارقة هزّت المنطقة وأعادت رسم حدود الصراع، لحظة بدت كطوفان يُراد به اقتلاع جذور الاحتلال لذا سميت ب “طوفان الأقصى”، لكنها سرعان ما تحوّلت إلى محطة تكشّفت فيها حسابات أعقد وصفقات جانبية وخيبات متراكمة، الهدنة الأخيرة التي اعتبرها كثيرون بوابة لإنقاذ المدنيين لم تكن سوى محطة مرحلية استُخدمت لإتمام تبادل الأسرى والجثامين، قبل العودة إلى القصف بوتيرة محسوبة، وكأن الاتفاق كان مجرد غطاء مؤقت يُفتح ويُغلق بحسب ضرورات الاحتلال.

تكرار خروقات الهدنة عمّق الشكوك في نوايا الجانب الإسرائيلي، فيما ازداد الغضب داخل غزة تجاه ما يُعرف بـ”عصابات أبو شباب” التي يُنظر إليها كأدوات تعمل بشكل مباشر لصالح الاحتلال، هدفها تفتيت السلم المجتمعي وإضعاف الحاضنة الشعبية للمقاومة، وخلق حالة من الإرباك والانقسام الداخلي تُسهّل الاختراق الأمني وتفتيت الجبهة الداخلية في لحظة حرجة.

بالتوازي، تتواصل ممارسات “التهجير الناعم” الأشبه بالقصري عبر تدمير البنية التحتية، خنق المساعدات، وقطع الخدمات الأساسية، بما يدفع السكان إلى النزوح دون إعلان رسمي، يحدث ذلك أمام عالم يتقن الصمت، بينما يتوسع القصف إلى لبنان ويمر فوق سوريا، في مشهد يشي باتساع رقعة الحرب بلا رادع.

وفي ظل هذا كله، بقي الرهان العربي الذي علّقت عليه المقاومة آمالها معلقًا في الفراغ، انتُظر موقفٌ عربي يهزّ الأرض، لكن الردّ جاء على شكل بيانات وتصريحات لا تغيّر واقعًا ولا توقف آلة حرب، وحدها فئة قليلة لم تستطع السكوت أمام الدم، لكنها بقيت أضعف من أن تغيّر مسارًا أو تفرض معادلة وكأنها رصاصة في مواجهة صاروخ.

وفي قلب هذا المشهد، يظهر الخطر الأكبر الذي يهدّد الروح قبل الحجر، المسجد الأقصى نفسه، الأنباء المتواترة عن تصدعات وانهيارات في أنفاق حفرتها إسرائيل تحت المسجد الأقصى تثير مخاوف جدية من كارثة قد تكون وشيكة، السؤال يفرض نفسه بقسوة، هل سيهتزّ العرب والمسلمون إذا استيقظوا يومًا ووجدوا الأقصى قد تهدّم؟ من لم تهزّه أشلاء الأطفال تحت الركام، هل سيوقظه سقوط أولى القبلتين وثالث الحرمين؟

إسرائيل لا تختبر العرب صدفة، بل نفّذت آلاف “بالونات الاختبار” عبر اقتحامات المسجد، وحصار غزة، والتعدي على الفلسطينيين في الضفة الغربية، والحروب المتكررة، وحتى التهجير البطيء، وكل مرة كان الصمت العربي هو الجواب، ولهذا اكتسب الاحتلال يقينًا بأن لا شيء سيوقظ هذه المنطقة من سباتها، يكفي التذكير بما قالته غولدا مائير بعد ليلة حرق المسجد الأقصى “كنت خائفة من النوم تلك الليلة، لكنني في الصباح أدركت أن العرب أمة نائمة”، جملة تختصر عقودًا من اختبار ردود الفعل العربية وانعدام أي ردع فعلي.

ومع استمرار الحرب واتساعها، يتعزّز الخوف من أن ما يجري ليس مجرد تصعيد عابر، بل جزء من مشروع أكبر يمتد من “صفقة القرن” إلى تصورات “إسرائيل الكبرى” وتقاسم النفوذ الدولي في المنطقة، حيث تُعاد صياغة الخرائط على حساب الشعوب ووجودها.

كل خيط في هذا المشهد يقود إلى شعور واحد الخذلان، خذلان الهدنة، وخذلان العالم، ومرارة الفقد والأمل دون جدوى لشعب اعزل، وبينما يواصل الاحتلال تمدده بلا رادع، يبقى السؤال مفتوحًا كجرح لا يندمل، هل سيأتي يوم يدرك فيه العرب والمسلمون أن المستهدف لم يعد أرضًا فقط، بل هوية ووجود ومستقبل الشرق الأوسط بأكمله؟

زر الذهاب إلى الأعلى