
المهرجانات المسرحية الأردنية بين التحدي والإبداع والحاجة الماسة للدعم الأكبر من الدولة
فداء الحمزاوي
انتهى موسم المهرجانات المسرحية في الأردن هذا العام وسط جملة من الملاحظات التي أعادت فتح النقاش حول واقع الحراك المسرحي وآلية تنظيم المهرجانات وأثرها الفني والثقافي والاقتصادي، وقد برز خلال الموسم تزامن لافت بين مواعيد عدد من الفعاليات، وتحديدًا بين مهرجانات تابعة للقطاع الرسمي وأخرى تنظمها فرق خاصة، الأمر الذي أثّر على حجم الحضور وأربك جدول متابعة الجمهور للعروض، وهو ما يطرح ضرورة إعادة النظر في آليات التخطيط المشترك وجدولة المواعيد لتفادي التداخل بين الفعاليات وضمان منح كل مهرجان فرصته الكاملة في الظهور.
كما كشف الموسم تفاوتًا واضحًا في المستوى التنظيمي بين المهرجانات، فبينما فقدت بعض الفعاليات تأثيرها بسبب ضعف الإدارة والتنظيم، استطاعت مهرجانات أخرى تجاوز عقبات محلية ودولية معقدة، وقدمت رغم ذلك صورة مميزة وناجحة إداريًا وفنيًا، مما جعلها من أهم المهرجانات المسرحية الخاصة في الأردن وعلى مستوى العالم العربي، ويعكس هذا التباين الحاجة الملحة لتطوير معايير أكثر وضوحًا في إدارة وتنظيم المهرجانات، بما يعزز جودة التجربة ويضمن استدامتها.
وتبرز كذلك أهمية تجديد الهوية الفنية للمهرجانات وتجنب تكرار الأنماط ذاتها، حتى لا تفقد هذه الفعاليات قيمتها وتأثيرها، فالابتكار عنصر أساسي لاستمرار جاذبية المهرجانات، ولإتاحة مساحة حقيقية للطاقات الإبداعية الأردنية التي تمتلك مستوى عاليًا من الاحتراف والقدرة على المنافسة إقليميًا ودوليًا، لكنها تحتاج إلى بيئة منظمة وداعمة لتظهر بأفضل ما لديها.
ويأتي البعد الاقتصادي ليشكّل عاملًا محوريًا في تقييم أثر المهرجانات المسرحية، إذ تسهم هذه الفعاليات في تحريك قطاعات متعددة مثل السياحة والفندقة وخدمات الضيافة والنقل، وتستغل معظم الفرق العربية والدولية مشاركتها في المهرجانات لزيارة المواقع السياحية الأردنية، وهو ما ينعكس إيجابًا على القطاع السياحي، وتزداد أهمية هذا الجانب في حال توفر تعاون فعّال بين وزارة الثقافة ووزارة السياحة والجهات المنظمة، بحيث يتم ترتيب جولات وبرامج متكاملة للضيوف العرب تُظهر الأردن بصورة ثقافية وسياحية وفنية متكاملة يمكن أن تنعكس على بلدانهم عبر تجاربهم وانطباعاتهم.
ومع ختام الموسم، يبرز مطلب أساسي يتمثل في ضرورة رفع مستوى الدعم المادي للمهرجانات الخاصة بشكل واضح يفوق ما كان عليه في الأعوام السابقة، نظرًا لدورها الحيوي في تعزيز حضور الأردن على الخارطة الفنية العربية، فالدول المجاورة تعمل على تطوير مهرجاناتها سنويًا، ما يجعل الاستثمار في المهرجانات المحلية ضرورة ملحّة لمواكبة هذا الحراك الإقليمي والدولي، وتمكين هذه الفعاليات من الحصول على دعم مادي وإداري أكبر يُعد خطوة أساسية لتقديم صورة مشرّفة عن الفن الأردني والطاقات المحلية القادرة على إنتاج أعمال رفيعة المستوى.
إن تعزيز الدعم، وتطوير آليات الإدارة، ورفع التنسيق بين الجهات المعنية سيضمن للمهرجانات المسرحية الأردنية القدرة على تقديم تجارب أكثر تميزًا في المواسم المقبلة، خاصة أن الطاقات الأردنية تمتلك ما يلزم لفرض حضور قوي ومؤثر في هذا المشهد الفني المتسارع النمو.







