
الصين ترسم خطتها الجديدة في الجلسة الرابعة للجنة المركزية العشرين
أ.د.حسن الدعجه
أستاذ الدراسات الاستراتيجية في جامعة الحسين بن طلال
اختتمت في العاصمة الصينية بكين أعمال الجلسة الكاملة الرابعة للجنة المركزية العشرين للحزب الشيوعي الصيني، التي انعقدت في الفترة ما بين 20 و23 أكتوبر 2025، بمشاركة واسعة من أعضاء اللجنة الأساسيين والاحتياطيين. وتعد هذه الجلسة محطة مفصلية في مسيرة الصين السياسية والاقتصادية، إذ جاءت لتحدد ملامح المرحلة المقبلة من التنمية الوطنية وتضع الإطار العام للخطة الخمسية الخامسة عشرة (2026–2030)، التي تمثل امتدادًا للرؤية الكبرى التي يقودها الرئيس شي جينبينغ نحو تحقيق النهضة الاشتراكية الحديثة.
ناقشت الجلسة تقارير الأداء الوطني خلال تنفيذ الخطة الرابعة عشرة، وأشادت بما تحقق من إنجازات في مجالات الابتكار العلمي، والتنمية الاقتصادية، وتحسين معيشة المواطنين، رغم التحديات الداخلية والخارجية التي واجهتها البلاد. وفي الوقت ذاته، أقرت اللجنة أن البيئة الدولية تشهد تغيرات عميقة ومخاطر متزايدة، مما يستدعي تعزيز الجاهزية الوطنية والتكامل بين التنمية والأمن، لضمان استقرار مسيرة التحديث الصيني في العقود المقبلة.
من أبرز نتائج الجلسة اعتماد وثيقة “التوصيات الخاصة بإعداد الخطة الخمسية الخامسة عشرة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية”، وهي وثيقة شاملة تتألف من 15 قسمًا و61 مادة، تحدد الاتجاهات الأساسية للتنمية خلال السنوات الخمس القادمة. وقد أكدت الوثيقة على ضرورة التركيز على جودة النمو بدلًا من كميته، وتعزيز الاعتماد على الذات في مجالات التكنولوجيا والصناعة المتقدمة، ودفع عملية التحول الرقمي والابتكار العلمي باعتبارها المحرك الرئيسي للاقتصاد الصيني. كما أولت أهمية كبيرة لحماية البيئة وتحقيق التنمية الخضراء المستدامة، ضمن التزام الصين بخفض الانبعاثات الكربونية والوصول إلى الحياد الكربوني بحلول عام 2060.
وشددت الجلسة على مبدأ “وضع الشعب في المقام الأول” في جميع السياسات، ودعت إلى توسيع مظلة الازدهار المشترك وتقليص الفجوة بين المناطق والفئات، بما يعزز العدالة الاجتماعية ويضمن تحقيق التنمية المتوازنة. كما جرى التأكيد على ضرورة تعميق الإصلاحات الاقتصادية والإدارية، وتعزيز دور السوق في توزيع الموارد، مع الحفاظ على الدور التوجيهي للدولة في حماية المصالح الاستراتيجية.
وفي الشأن الداخلي، أقرت الجلسة بعض التعديلات في المناصب القيادية داخل اللجنة المركزية، في خطوة تهدف إلى تعزيز الانضباط الحزبي واستمرار حملة مكافحة الفساد التي تعد من السمات البارزة في عهد شي جينبينغ. وأكدت القيادة على أهمية الوحدة داخل الحزب والالتفاف حول اللجنة المركزية باعتبارها القلب السياسي الذي يقود البلاد نحو أهدافها الكبرى.
أما على الصعيد الخارجي، فقد أعادت الجلسة التأكيد على ثوابت السياسة الصينية القائمة على الاستقلال والسلام والتنمية المشتركة، والدعوة إلى بناء مجتمع ذي مصير مشترك للبشرية. كما شددت على استمرار الانفتاح الاقتصادي رفيع المستوى وتوسيع التعاون الدولي في إطار مبادرة الحزام والطريق، ومبادرتي التنمية والأمن العالميتين.
لقد شكلت الجلسة الكاملة الرابعة للجنة المركزية العشرين للحزب الشيوعي الصيني حدثًا ذا أهمية استراتيجية، إذ وضعت الأسس الفكرية والسياسية والاقتصادية للمرحلة القادمة، ورسخت توجهات الصين نحو التنمية النوعية والابتكار، في إطار رؤية شاملة تسعى إلى بناء دولة اشتراكية حديثة قوية ومزدهرة بحلول عام 2035.







