
“يوم الموتى” طقس مكسيكي أقامته السفارة المكسيكية في معهد ثيربانتس في عمان
الشاهين الإخباري- فداء الحمزاوي
في أمسية تفيض بالألوان والعاطفة، احتفلت سفارة المكسيك اليوم الأحد في الأردن بـ”يوم الموتى” في المركز الثقافي الإسباني – معهد ثيربانتس في عمّان، حيث تحوّل المكان إلى لوحة رمزية تمزج بين الفن والروح والذاكرة، وتعيد طرح السؤال الأزلي: هل يمكن أن تلتقي أرواحنا مجددًا بمن أحببناهم؟
هذا التقليد، الذي أدرجته اليونسكو عام 2003 ضمن قائمة التراث الثقافي غير المادي للإنسانية، يعدّ من أعمق الطقوس المكسيكية وأكثرها تفرّدًا، فبينما ترتبط فكرة الموت في معظم الثقافات بالحزن والفقد، يحتفل المكسيكيون به بوصفه عودة رمزية للأرواح، وفرصة لاستحضار الأحبة الراحلين من خلال الألوان والموسيقى والرموز التي تنبض بالحياة.
في كلمته الترحيبية، قال السفير خاكوب برادو إن “يوم الموتى ليس مناسبة للحزن، بل احتفال بالحياة، فالموت في هذا السياق ليس غيابًا، بل حضورًا و رمزًا لدورة الوجود، كلماته بدت كأنها همسة فلسفية في وجه الخوف من الموت، تذكّر بأنّ الذاكرة قد تكون شكلاً آخر من أشكال البقاء.
في قلب الفعالية، جذب الأنظار مذبح الأرواح أو الـ”أوفريندا”، الذي أقيم في قاعة المركز بزينة متقنة تعبق بالرمزية من زهور الأقحوان الذهبي إلى جماجم السكر و”خبز الموتى” وورق الزينة الملوّن والشموع التي تمثل عناصر الطبيعة الأربعة، الهواء والنار والأرض والماء، كانت الأجواء نابضة بقدسية غير معلنة، وكأن المكان يستعد فعلاً لاستقبال الزوّار من العالَم الآخر.
وقد خُصص مذبح هذا العام لتكريم اثنتين من أيقونات الفن المكسيكي الراحلتين، تونغوليلي، الراقصة والممثلة التي زيّنت العصر الذهبي للسينما المكسيكية بأناقتها وكاريزمتها، وباكيتا لا دل باريو، الصوت النسائي الجريء الذي غنّى بصدقٍ عن وجع النساء وقوّتهن في وجه الخذلان.
لكن ما جعل هذه الفعالية تتجاوز حدود الاحتفال الثقافي، هو ما تثيره من تأمل داخلي وروحي لدى من يعيش تفاصيلها، فحين تُضاء الشموع وتتعانق ألوان الورد الزاهي مع موسيقى الحنين، يشعر الزائر بأن المسافة بين الحياة والموت تضيق، وأن الحب قد يكون اللغة الوحيدة التي تعبر بين العالَمين.
شخصيًا غمرني شعور غريب وأنا أتأمل المذبح، خليط من الدهشة والحنين، وإحساس دفين بأن فكرة “يوم الموتى” ليست خرافة بقدر ما هي حلم جماعي نتمناه جميعًا أن يعود أحباؤنا الراحلون ولو لحظة، أن نراهم، ونبتسم لهم، ونقول ما لم يقال قبل رحيلهم.
احتفال يوم الموتى في عمّان لم يكن مجرّد تظاهرة ثقافية مكسيكية، بل تجربة إنسانية تذكّرنا بأن الموت لا يقطع الحبل بيننا وبين من أحببناهم، وأن الذاكرة قد تكون بوابة صغيرة نحو الخلود.








