
في رثاء محمد الصباح (أبو يوسف) الرفيق الذي كان أخًا قبل أن يكون صديقًا
بقلم : محمد نعيم الشرقاوي
ليس سهلًا أن تكتب عن من كان جزءًا من روحك، عن من عاش معك تفاصيل أيامك، وشاركك العمل والسفر والضحك، وكان إلى جانبك في الضيق قبل الفرح، محمد أو كما كنا جميعًا نناديه “أبو يوسف”، لم يكن مجرّد صديق، بل كان أخًا وسندًا، الحضور الذي يزرع الطمأنينة، والوجه الذي يُشعرك بالأمان مهما كانت الدنيا قاسية.
ما زلت أذكر كل لحظة جمعَتنا، فالأيام التي عشناها معًا تركت أثرًا لا يُمحى، وذكرياتٍ لن تغيب عن القلب ما حييت، كان محمد مثالًا للأخلاق والطيبة والرجولة، صادقًا في محبّته، ثابتًا في مواقفه، لا يتأخر عن فرحٍ ولا يغيب عن حزن، وكان دائمًا الأقرب، والأكثر فهمًا دون حاجةٍ إلى كلام.
محمد كان صديق السفر والرحلات، وأكثر من كان يطلب مني أن أعود من تركيا لأنه اشتاق، وأكثر من انتظر يوم تخرّجي بلهفةٍ ما لبثت ان تتحقق، لا أنسى يوم تخرّجي، حين وقف على باب المحل يرقص بفرحٍ صادق، يبارك وكأنّ الفرح له، ولا أنسى يوم نجاحي في التوجيهي، حين ترك كل شيء وأعدّ لي عشاءً احتفالًا بي، وكان فرحًا بي كما لو كنت ابنه، كان يحلم أن يراني عريسا، وأن يفرح بزواجي كما لو كان أبًا ينتظر لحظة العمر.
أبو يوسف الغالي، كنت صديق الدرب ورفيق العمر، الأخ الكبير الذي كان أقرب من الجميع، والأب الحنون الذي يقف وقت الشدّة قبل الفرح، عرفتك في المواقف الحلوة والصعبة، وما رأيت منك إلا دعمًا وصدقًا وتفهّمًا وقلبًا نادر الطيبة، كنت الشخص الذي نلجأ إليه وقت التعب، الذي تكفي كلمته لتهدينا، ونظرته لتزرع فينا الحكمة والسكينة.
ذكراك محفورة فينا، في كل مكان جمعنا، في كل ضحكة وسفرة وسهرة وشغل مرّ علينا. وجودك كان بركة، وفقدك وجع كبير ما بينوصف.
رحمك الله يا محمد، وغفر لك، وجعل مثواك الجنة، وجعل لقاءنا القادم في دارٍ لا فُراق فيها. ستبقى بيننا ما حيينا، حكاية وفاء، وذكرى طيبة، وأخًا لا يُنسى.
برحيله، خيّم الحزن على كل من عرفه، من أصدقاء وزملاء ومحبين، فمحمد كان حاضرًا في قلوب الجميع، بصوته وضحكته وكرمه، وبذلك الحضور الإنساني الذي لا يُنسى، لم يكن مجرد شخصٍ في محيطنا، بل روحًا جميلة تجمعنا، تترك فينا دفئًا حتى بعد غيابها واليوم، مع كل ذكرى تمرّ، يبقى اسمه يتردد بيننا بامتنانٍ وحنين، كأننا ما زلنا ننتظره يطلّ بابتسامته التي كانت تختصر الطيبة كلّها.