
(7 أكتوبر) يوم كشف المشروع الصهيوني وعودة فلسطين إلى مركز العالم
الشاهين الاخباري
مرّ عامان على طوفان الأقصى، الحدث المفصلي الذي وقع في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، لكن تأثيره لا يزال حاضرًا، بل يتعاظم يومًا بعد يوم. لم يكن مجرد عمل مقاوم بل لحظة انكشافٍ تاريخية، سلّطت الضوء على البنية العنيفة للمشروع الاستيطاني الصهيوني، وأعادت ترتيب أوراق الصراع في فلسطين والمنطقة والعالم.
من المجازر إلى الإبادة: سياق دموي ممتد
ما تشهده غزة منذ السابع من أكتوبر ليس ردة فعل على عملية مسلحة، بل فصل جديد من مسلسل طويل من القتل والاقتلاع والتهجير. من نكبة 1948 إلى مجازر دير ياسين وكفر قاسم وصبرا وشاتيلا، ثم مسيرات العودة عام 2018، وصولًا إلى الإبادة الجارية في غزة، يظهر المشروع الصهيوني كمنظومة لا تعترف بوجود الفلسطيني أصلًا، وتسعى إلى محوه وجوديًا.
في عامين فقط، تجاوز عدد الشهداء والجرحى 235 ألفًا، بينهم عشرات الآلاف من الأطفال، في ظل دمار شبه شامل طال المستشفيات والمدارس ودور العبادة، بدعوى “مكافحة المقاومة”. لكن العالم بات يدرك أن هذه الذريعة ما هي إلا ستار لإخفاء هدف أكبر: تفريغ غزة من سكانها وإعادة صياغة المشهد الفلسطيني وفق منطق الإبادة.
الطوفان: كاشف لا منشئ
السؤال المحوري: لماذا كان 7 أكتوبر؟ ولماذا كان بهذا الحجم والتوقيت؟
جاء الطوفان بعد 17 عامًا من الحصار الخانق الذي حوّل غزة إلى سجن كبير. وكان بمثابة انفجار طبيعي في وجه الاستبداد والصمت العالمي، لا مغامرة عبثية. المقاومة توقعت ردة فعل عنيفة، لكن ما حدث فاق التوقعات، وكشف بوضوح نية الإبادة الكامنة في قلب المشروع الصهيوني.
فالاحتلال، الذي خدع العالم بادعاء الرد والدفاع عن النفس، لم يكن يُفاجأ بوقوع الطوفان، بل بدا كمن كان يبيّت نية تصعيد شاملة، لعلّه يجد فيه فرصة لاستكمال مشروعه في طرد السكان وإعادة رسم الحدود بالقوة.
انكشاف مزدوج: عجز أمني وخداع دعائي
أصاب الطوفان المنظومة الأمنية الإسرائيلية في مقتل. الجدران، التكنولوجيا، الأسوار الذكية… كلها انهارت أمام إرادة المقاوم الفلسطيني. لكن في المقابل، استخدم الاحتلال آلة الدعاية لتبرير إبادة ممنهجة.
خدعت المقاومة إسرائيل أمنيًا، وخدعت إسرائيل العالم استراتيجيًا. لكن النتيجة واحدة: سقوط القناع.
لم يعد أحد يجهل طبيعة العقلية الصهيونية، خاصة بعد التصريحات الرسمية التي كشفت استعلاءً عرقيًا وعدوانية سافرة: من وصف الفلسطينيين بـ”الحيوانات البشرية” إلى الدعوات لحرق غزة وقتل أطفالها وتجويع سكانها علنًا.
المفاوضات كغطاء للإبادة
شهدت المرحلة الماضية محاولات متعددة للتوصل إلى هدنة أو تبادل أسرى، قوبلت بمرونة كبيرة من المقاومة، ورفض متكرر من حكومة الاحتلال. ومع كل جولة مفاوضات، كانت إسرائيل تستغل الوقت لتوسيع العدوان، بل وتضرب في أراضي الوسطاء أنفسهم، كما حدث مع الوفد القطري.
انتهت المفاوضات إلى كذبة، وخُدع فيها الوسطاء، ليظهر أنها كانت مجرد واجهة لسياسة عدوان مستمر هدفها كسب الوقت وتثبيت الوقائع على الأرض.
من تمجيد الطوفان إلى بناء مشروع
صحيح أن تمجيد الطوفان ضروري للحفاظ على الذاكرة وتكريم التضحيات، لكن ذلك لا يكفي وحده. لا بد أن يتحول إلى مشروع مواجهة واستعادة وطن. فبدون خطة سياسية وإعلامية وإنسانية موازية، يصبح التمجيد مجرد استهلاك شعاراتي.
الطريق ليس في التخيير بين التمجيد والمواجهة، بل في الجمع بينهما: تحويل الطوفان إلى نقطة انطلاق نحو التحرر الفعلي.
ماذا حقق طوفان الأقصى؟
1. ضرب المشروع الصهيوني في العمق
فقدت إسرائيل جزءًا كبيرًا من ثقة جمهورها بنفسها، وانكشفت هشاشة منظومتها الأمنية والسياسية.
2. انهيار صورة إسرائيل عالميًا
لم تعد توصف بالديمقراطية الوحيدة في المنطقة، بل أصبحت مرادفًا للإبادة والجرائم ضد الإنسانية.
3. تآكل شرعيتها الدولية
المحاكم الدولية تلاحق قادتها، والدعوات لمحاسبتها تتزايد.
4. سقوط احتكار الرواية
صوت فلسطين أصبح أكثر حضورًا، فيما تراجعت قدرة إسرائيل على الهيمنة الإعلامية.
5. عودة فلسطين إلى الصدارة
بعد سنوات من التهميش، عادت القضية لتتربع على أجندات الإعلام والسياسة العالمية.
6. تجديد الوعي الشعبي
صحوة في الشارع العربي والإسلامي والعالمي، وإحياء للروح الجماعية المناصرة للقضية.
7. ترسيخ فاعلية المقاومة
لم تعد مجرد “رد فعل” بل أصبحت رقمًا صعبًا لا يمكن تجاوزه.
8. توحيد الذاكرة الوطنية
فلسطينيو الضفة، غزة، والشتات.. الجميع بات يرى نفسه هدفًا للمشروع الصهيوني، ما أعاد وحدة الوجدان.
9. انكشاف المعايير الغربية المزدوجة
ادعاءات الليبرالية وحقوق الإنسان سقطت أمام الاصطفاف الأعمى مع إسرائيل.
10. إعادة تعريف المفاهيم
دخلت مفردات “الإبادة”، “الاحتلال”، “الاستعمار” بقوة إلى الخطاب الدولي.
11. ضرب وهم التطبيع
أثبت أن تجاوز حقوق الفلسطينيين لا يؤدي إلى سلام، بل إلى تفجر الصراع.
12. فتح مرحلة جديدة في الصراع
حيث لم يعد بالإمكان التحدث عن “أمن إسرائيل” دون الحديث عن كلفة الإبادة، والمحاسبة، وحق الفلسطينيين في التحرر.
خاتمة: الطوفان بوصفه لحظة تأسيس جديدة
طوفان الأقصى لم يكن مجرد عملية عسكرية. كان تحولًا تاريخيًا أعاد تعريف الصراع، وأسقط أسطورة إسرائيل، وكشف زيف الخطاب الغربي، وأعاد لفلسطين مكانتها الطبيعية في وجدان الأمة والعالم.
لكن هذا التحول يتطلب البناء عليه: بخطاب عقلاني، ومشروع سياسي واضح، وتحشيد عالمي حقيقي. فما لم يتحول النصر الرمزي إلى واقع سياسي، تبقى المعاناة مستمرة، والمجازر قابلة للتكرار.