
دراسة كامبريدج: التوحد ليس اضطرابًا واحدًا
الشاهين الاخباري
تشير دراسة حديثة إلى أن التوحد ليس حالة موحدة كما كان يُعتقد سابقًا، بل هو مجموعة من الاضطرابات ذات الجذور الوراثية والنمائية المتنوعة، تختلف باختلاف توقيت تشخيصها. فالأطفال الذين يُشخَّصون في السنوات الأولى من حياتهم يُبدون أنماطًا مختلفة في النمو والسلوك مقارنةً بأولئك الذين تُكتشف حالتهم لاحقًا في مرحلة الطفولة المتأخرة أو المراهقة.
وفقًا لتقرير نُشر في (Medscape)، لدراسة نُشرت في مجلة (Nature) العلمية، فقد قام باحثون من جامعة كامبريدج بتحليل بيانات آلاف الأفراد حول العالم، ليتضح أن توقيت التشخيص لا يعكس فقط درجة شدة الحالة، بل يرتبط بملامح جينية مميزة ومسارات تطور مختلفة.
فروق واضحة بين التشخيص المبكر والمتأخر
أظهرت الدراسة أن الأطفال الذين شُخِّصوا مبكرًا بالتوحد – أي قبل سن السابعة – عانوا في الغالب من تأخر في النمو الحركي واللغوي، وصعوبات معرفية وسلوكية شديدة. بينما كانت المجموعة التي تم تشخيصها في سن متأخرة أكثر عرضة لـاضطرابات نفسية مصاحبة مثل فرط الحركة ونقص الانتباه (ADHD) والاكتئاب، لكنها لم تُظهر مشكلات مبكرة واضحة في التطور.
يشير هذا إلى أن التوحد الذي يظهر مبكرًا قد يرتبط بعوامل جينية نادرة ومؤثرة، في حين يبدو أن التوحد المتأخر يتأثر بمزيج من العوامل الوراثية والاجتماعية والبيئية.
بصمة وراثية مختلفة
تحليل الجينات كشف عن مفاجأة لافتة: المصابون بـالتوحد المبكر يمتلكون طفرات نادرة في جينات محددة تلعب دورًا في تطور الدماغ، بينما يُظهر ذوو التشخيص المتأخر أنماطًا جينية أقرب لتلك المرتبطة بـقدرات تعليمية مرتفعة، واضطرابات مثل الاكتئاب واضطراب ما بعد الصدمة.
وهذا ما جعل العلماء يؤكدون أن العمر عند التشخيص قد يكون في حد ذاته سمة وراثية، وليس فقط نتيجة للفروق في السلوك أو الرعاية الطبية.
رؤية جديدة لتصنيف التوحد
يقول الدكتور فارون واريير من جامعة كامبريدج إن فهم هذه الفروق يُمكِّن الأطباء من تطوير طرق تشخيص أكثر دقة، ودعم كل فئة من المصابين بما يتناسب مع احتياجاتهم الفردية. فـالتوحد الذي يُكتشف في سن مبكرة يحتاج تدخلًا نمائيًا وسلوكيًا مكثفًا، بينما التوحد المتأخر يتطلب رعاية نفسية واجتماعية أشمل.
يؤكد علماء النفس أن التوحد ربما لا يكون اضطرابًا واحدًا، بل طيفًا واسعًا من الأنواع الفرعية تختلف من حيث العوامل الوراثية والبيئية ومسار النمو. وتوضح أستاذة التطور المعرفي الدكتورة أوتا فريث أن هذه النتائج “تفتح الباب أمام فهم جديد يجعلنا نرى التوحد كمجموعة من الحالات المتمايزة، لكل منها طبيعتها الخاصة”.
ويحذر الباحثون من تعميم النتائج، مؤكدين أن عوامل مثل الثقافة، والرعاية الصحية، والبيئة الأسرية تؤثر أيضًا على توقيت التشخيص ودقته. كما شددوا على ضرورة إجراء أبحاث على عينات أكثر تنوعًا جغرافيًا وثقافيًا، لفهم العلاقة بين الجينات والسلوك بشكل أعمق.
وفي ختام الدراسة، دعا الفريق البحثي إلى توسيع مفهوم التوحد من كونه اضطرابًا واحدًا إلى مجموعة من الأنماط العصبية المختلفة، مؤكدين أن الاعتراف بهذا التنوع هو الخطوة الأولى نحو تشخيص وعلاج أكثر إنسانية ودقة.
