
الأردن وفلسطين.. ليس جواراً فقط بل وجدانٌ ودم
المهندس عبدالله امجد ابوزيد
ليس بالأمس بدأ الأردن مسيرته مع قضية فلسطين، وليس بالخطب الرنانة يحفظ موقعه في قلوب الملايين. الأردن، بقيادة وملك، وقف شامخاً كالجبل أمام العواصف، يقول للعالم بكل وضوح: “فلسطين ليست مجرد قضية سياسية، إنها قضية وجود”. في لحظات التاريخ الحاسمة، يبرز الأردن ليس كدولة مجاورة فحسب، بل كقلب نابض للعروبة، وضمير حي للأمة.
منذ اللحظة الأولى، لم يتردد الأردن في الاعتراف بدولة فلسطين، محولاً هذا الاعتراف إلى فعل دائم لا كلمة عابرة. لكن الأردن لم يقف عند هذا الحد، بل حمل القضية في حقيبة دبلوماسييه، وعلى منابر الأمم المتحدة، حيث كان صوته مدوياً يهز ضمير العالم، مذكراً إياه يومياً بأن الاحتلال لا يزال ينتهك الأرض والإنسان، وأن شعب فلسطين لم يستسلم ولن يستسلم.
وفي القدس، حيث تهب رياح التهويد والتطهير العرقي، يقف الأردن بحضارته وشرعيته التاريخية سداً منيعاً. “الوصاية الهاشمية” على المقدسات ليست لقباً شرفياً، بل هي خط دفاع عن هوية القدس العربية، عن حجر المسجد الأقصى المبارك، وعن حق الأمة في تراثها الديني والثقافي. إنها مسؤولية يحملها الأردن بكل إباء، مدافعاً عنها بكل ما أوتي من قوة.
وجع غزة.. والأردن الجسر الإنساني
عندما حوصرت غزة وقطعت عنها السبل، لم يكن الأردن ليرفع بياناً ويغلق مكتبه. لقد فتح سمائه وأرضه، فكان “الجسر الجوي” من الأزرق شريان حياة، تحمل طائراته ليس فقط الدواء والغذاء، بل تحمل رسالة إلى أهل غزة تقول: “لستم وحدكم”. لقد حوّل الأردن المعاناة إلى فعل، والفعل إلى أمل. المستشفى الميداني الذي أقامه في القطاع لم يكن منشأة طبية، بل كان حضناً أردنياً دافئاً يحتضن جرحى فلسطين. واستقباله آلاف المرضى والجرحى للعلاج في مستشفياته كان تجسيداً حياً لمعنى “الأخوة” التي تعلو فوق كل حدود.
أيها العرب: كفى خطابات.. فلنكن عند مستوى الأحداث
الأردن يقدم النموذج، لكن المعركة معركة أمة. أمام عينينا، يحدث ما لم يحدث في العصر الحديث. والمسؤولية تقع على عاتقنا جميعاً، حكومات وشعوباً. آن الأوان أن نتحول من ردود الأفعال إلى الفعل الاستراتيجي، ومن التنديد إلى المحاسبة.
· أيها المسؤولون: لا تكفي الشجب والاستنكار. علينا استخدام كل أدواتنا. فليكن للعرب سياسة خارجية موحدة تضغط بثقلها الاقتصادي والسياسي. لنتذكر أن للكلمة وزن عندما تصدر عن قوة، والقوة تتولد من الوحدة.
· أيها الشباب: أنتم جيش المقاطعة الحقيقي. كل منتج تقاطعونه، وكل شركة تسحبون منها استثماراتكم، هي صفعة للاحتلال. لقد أثبتتم أن اقتصادهم ليس منيعاً أمام إرادتكم.
· أيها الإعلاميون: أنتم الجنود على جبهة الوعي. حاربوا التضليل بالحقيقة. اجعلوا من منصاتكم منبراً للصمود الفلسطيني، لا للإحصاءات المجردة. حكايا الأطفال تحت الأنقاض أقوى من أي تقرير عسكري.
· أيها المحسنون: تبرعكم ليس رقماً في حساب، بل هو سلة غذاء لعائلة جائعة، ودواء لطفل مريض، وبطانية في ليلة شتاء قارصة. لا تستهينوا بقدرة الخير على مواجهة الشر.
خلاصة القول:
الأردن، بموقفه الثابت، يذكرنا بأن للعروبة وجهاً لا يتزعزع. لكن هذا الوجه يحتاج إلى جسد كامل ليكتمل. فلسطين تدفع ثمناً بدماء أبنائها عن غياب هذا الجسد. علينا، كعرب، أن نكون عند مستوى هذه التضحية. لنعمل معاً، حتى لا يقال يوماً إن فلسطين صمدت وأمة بأكملها تخاذلت. القضية لم تعد قضية أراضي فقط، إنها قضية كرامة، وإما أن نكون أو لا نكون.