أقلام حرة

من عدوان غزة إلى وحدة الخصوم

طارق ابوالراغب

على الرغم من الثمن الكبير الذي قدمة الشعب الفلسطيني فلم يعد المشهد الدولي والإقليمي كما كان يتصوّره قادة حكومة التطرف في دولة الاحتلال، التي يقف على رأسها بنيامين نتنياهو محاطاً بأبرز رموز الغلو والتشدد مثل بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير. فهذه الحكومة التي طالما راهنت على قوة الدعم الغربي والغطاء الأميركي، أصبحت اليوم عبئاً على حلفائها قبل أن تكون أداةً نافعة لهم، فيما العالم يعيد رسم موازينه ويؤسس لواقع جديد.

الاعتراف البريطاني بالدولة الفلسطينية مثّل محطة مفصلية، ليس لرمزيته التاريخية فحسب، وإنما لأنه كشف تحوّلاً في المزاج الدولي الذي لم يعد يحتمل سياسة القتل والاحتلال. هذا الاعتراف أتى ليؤكد أن الرواية الفلسطينية، رغم كل محاولات التهميش، باتت أكثر حضوراً وشرعية، وأن دولة الاحتلال تفقد تدريجياً قدرتها على التحكم في سردية العالم.

المعادلات الجديدة تتجلى أيضاً في الاتفاقية الدفاعية الكبرى بين باكستان والسعودية، والتي لم تقف عند حدود التدريب والتعاون العسكري التقليدي، بل امتدت لتشمل ملف الردع النووي، بما يحمله ذلك من رسائل استراتيجية عميقة. إنها خطوة تُظهر أن التحالفات تتجاوز حسابات واشنطن، وأن البدائل متاحة عندما يتراجع بريق القوة الأميركية.

أما عودة التعاون العسكري بين مصر وتركيا عبر مناورات بحرية مشتركة، بعد قطيعة سياسية استمرت أكثر من ثلاثة عشر عاماً، فهي مؤشر آخر على إعادة التموضع الإقليمي. الخلافات التي كانت تطفو على السطح لم تعد عائقاً أمام الضرورات الاستراتيجية، لتؤكد أن لغة المصالح أصدق من شعارات القطيعة.

في مقابل ذلك، تبدو الولايات المتحدة في موقع المترنّح. صحيح أنها ما تزال تستخدم حق النقض في مجلس الأمن، لكن وزن هذا الفيتو لم يعد كما كان. القدرة على فرض الإيقاع العالمي تراجعت، فيما دعوات الرئيس الأميركي للقادة العرب للاجتماع في نيويورك ليست إلا محاولة لاحتواء ما يمكن احتواؤه من انهيار مكانة واشنطن.

هكذا، تتشكل أمامنا لوحة جديدة: عدوان غزة لم يعد مجرد أزمة فلسطينية أو عربية، بل تحوّل إلى نقطة التقاء تجمع الخصوم في مواجهة حكومة نتنياهو المتطرفة. هذه الحكومة لم تعد أزمة محلية، وإنما إشكالية عالمية تواجه حتى داعميها. العزلة تتسع، والخصوم يجتمعون، والدعم الذي كان يوماً ما ضمانة صار اليوم تكلفة سياسية باهظة على من يمنحه.

والخلاصة أن ما تحدث به جلالة الملك عبد الله الثاني، في الأردن ومن على كل المنابر الدولية، بات يتأكد يوماً بعد يوم: لا أمن ولا استقرار في المنطقة إلا بإقامة دولة فلسطين. هذا التصور لم يعد شعاراً سياسياً، بل أصبح واقعاً تتشكل ملامحه، ويُعمل على تحقيقه محلياً وعربياً وعالمياً.

زر الذهاب إلى الأعلى