
خطاب جلالة الملك وزيارة الأمير القطري لعمان يؤكدان أن الأردن صوت الحكمة وصانع التوازن العربي
المحامي عبدالرحيم الزواهره
في عالمٍ عربي تتنازعه الانقسامات ويواجه تحديات غير مسبوقة، برزت كلمة جلالة الملك عبدالله الثاني في القمة العربية الأخيرة كخطاب مرجعي يحدد أولويات المرحلة ويعيد ترتيب أجندة العمل العربي المشترك. لم تكن الكلمة مجرد تكرار للمواقف، بل جاءت أشبه بخارطة طريق تستند إلى رؤية استراتيجية ترى في وحدة الصف العربي الشرط الأول لحماية المصالح العليا للأمة.
جوهر خطاب الملك كان إعادة تثبيت فلسطين كقضية مركزية، ليس من باب الشعار، بل من منطلق إدراك عميق بأن أي استقرار إقليمي لن يتحقق دون حل عادل ودائم يضمن قيام الدولة الفلسطينية المستقلة على خطوط الرابع من حزيران.
هذا الموقف الأردني، المستند إلى الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، يتجاوز حدود الدفاع السياسي إلى ممارسة دور عملي في حماية هوية المدينة وتثبيت حقوق أهلها. وهنا يرسّخ الأردن موقعه كصوت صلب في مواجهة محاولات التهميش أو التطبيع مع الواقع القائم.
الأردن، بحكم موقعه الجغرافي وتكوينه السياسي، لم يكن يوماً طرفاً في صراعات المحاور، بل جسراً للتواصل والتقريب بين المختلفين. كلمة الملك أكدت مجدداً أن عقلانية السياسة الأردنية هي التي تجعل المملكة مرجعاً في لحظات الأزمات. فالموقف الأردني لا يقوم على الشعارات القصوى ولا على الانحيازات الضيقة، بل على الواقعية التي توازن بين ضرورات الأمن القومي العربي ومتطلبات الاستقرار الداخلي لكل دولة.
بهذا المعنى، الأردن ليس مجرد “دولة مجاورة” في الإقليم، بل عنصر توازن لا غنى عنه في أي معادلة عربية–دولية.
وفي ظل هذه الرؤية، جاءت زيارة سمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني إلى الأردن لتعكس اتجاهاً متنامياً نحو تعزيز التشبيك العربي الثنائي. الزيارة لم تكن بروتوكولية بقدر ما حملت إشارات سياسية واضحة:
- أولاً: أن العلاقات الأردنية–القطرية تدخل مرحلة جديدة من التعاون الاستراتيجي بعد سنوات من التباين.
- ثانياً: أن الانفتاح الأردني–القطري يمثل نموذجاً عملياً لتجاوز الخلافات والذهاب مباشرة إلى مساحات العمل المشترك، سواء اقتصادياً أو سياسياً.
- ثالثاً: أن هذه الزيارة تؤكد أهمية الدبلوماسية الأردنية في إعادة ترميم البيت العربي من الداخل، من خلال بناء الثقة الثنائية التي يمكن أن تتوسع إلى أطر جماعية أوسع.
وفي قراءة متأنية، نجد أن كلمة الملك في القمة وزيارة أمير قطر إلى عمّان ليستا حدثين منفصلين، بل حلقتين في مسار واحد يؤكد أن الأردن لا يزال يؤدي دوره التاريخي في المنطقة العربية. فبين خطاب يؤكد الثوابت، ودبلوماسية تفتح الأبواب أمام الشراكات، تتجسد معادلة “الأردن كجسر” التي تمنحه مكانة استثنائية في المشهد العربي.
وفي زمن تتراجع فيه القدرة على صياغة رؤى جامعة، يثبت أن للأردن دوراً كبيراً واستراتيجياً، وأن صوت العقل لا يقل وزناً عن صوت القوة، بل قد يكون الأقدر على صناعة التوازن في لحظة الاضطراب.