أقلام حرة

إيران هل أصبحت على خط المفاوضات الأميركية ـــ الروسية

المحامي الدولي فيصل الخزاعي الفريحات

أما المفاوضات أو الحرب هي حصيلة المواقف ألتى يكررها الرئيس الأميركي دونالد ترمب منذ مدة في شأن إيران وألتى اختصرها عبر رسالته الشهيرة إلى المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران السيد علي خامنئي، ومع الإلحاح على المفاوضات تحركت القوات الأميركية في البحر والجو، فانتشرت حول إيران من قاعدة غوام إلى الخليج والبحرين الأحمر والمتوسط، وبحسب ما ينقل عن أوساط عدة فإن ما تريده الولايات المتحدة الأميركية من القيادة الإيرانية يختصر بثلاثة أشياء، منع إمكان وصول إيران إلى إمتلاك الأسلحة النووية وضبط أسلحتها الصاروخية ووقف دعمها للفصائل في الدول العربية، وترمب في مطالبته إيران بالأستجابة لهذه المطالب يضع مهلاً زمنية، فهو تحدث عن مهلة تنتهي في سبتمبر المقبل، فيما أشار متابعون إلى مهلة شهرين للتفاوض، وإزاء ذلك تشددت إيران ثم أبدت مرونة، وتحدثت عن قبولها بمفاوضات غير مباشرة، ونقل عن قادتها أنهم سحبوا عسكرييهم من اليمن، وفسر ذلك بأنه خطوة على طريق فك الالتزام تجاه “الأذرع” الإقليمية، لكن الأهم من ذلك كان لجوء إيران إلى ما بقي لها من علاقات دولية وإقليمية علها تجد فيها ما يساعد على فك طوق النار المحكم الذي يلتف حولها، وكانت قد نشطت طهران مؤخراً على خط موسكو ألتي بدأت للتو مفاوضات مع الولايات المتحدة الأميركية بهدف إستعادة العلاقات الطبيعية بين البلدين ووقف الحرب في أوكرانيا، وتضامنت روسيا في المبدأ مع إيران من زاوية رفض اللجوء إلى القوة والتمسك بالدبلوماسية والتفاوض، وقد حذرت موسكو على لسان نائب وزير الخارجية سيرغي ريابكوف من أن توجيه ضربات للبنية التحتية النووية الإيرانية ستكون له عواقب كارثية على المنطقة بأسرها، كما أنتقد إنذارات ترمب لإيران واعتبرها غير لائقة ونندد بها ولذلك ستعمل طهران كي تحتل المسألة الإيرانية مكانتها في أي نقاش أميركي ـــ روسي، وستحاول الإتكاء على الشريك الروسي لعل التفاهمات الأميركية ـــ الروسية تخفف عنها بعض الضغط، لكن الأمور قد تكون ليست بهذه السهولة، فعلى رغم تبادل الزيارات بين مبعوثي ترمب وبوتين إلى موسكو وواشنطن، لا تزال الشكوك تحيط بمستوى تقدم مشاورات الطرفين مع إبدائهما الحرص المشترك على تحقيق نتائج ملموسة، وبالنسبة إلى روسيا هناك تجاه الأميركيين ” مشاعر متراكمة من عدم الثقة “، ولدى ترمب رغبة في تسجيل تقدم سريع، لكن إقتراح بوتين إزاحة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي قبل الأتفاق في شأن أوكرانيا جعله يبدي انزعاجه، ومع ذلك زار مبعوث بوتين كيريل ديمترييف واشنطن، واعتبرت موسكو مجرد حصول الزيارة مؤشراً على أن الأميركيين يتعاملون مع المفاوضات بمسؤولية وحسن نية، وما لم يتناوله الإعلام الرسمي عن جدول أعمال ديمترييف في واشنطن كان قد كشف عنه محللون روس، وعلى بساط البحث كانت قد طرحت آفاق العمل المشترك في مجال الفضاء والقطب الشمالي والتعاون في مجال المعادن النادرة والطاقة، هذا والجانبان سيبحثان شؤون العالم ويستعدان لقرارات وتفاهمات حولها ستطرح خلال القمة المرتقبة بين بوتين وترمب ألتي يرجح عدد كبير من المراقبين أن تُعقد في السعودية ألتي أثبتت مكانتها بين الدول أنها حاضنة للسلام والأستقرار في المنطقة وألتى رعت منذ البداية إنطلاقة مسار إستعادة العلاقات الأميركيةء الروسية، ومن هنا يرتدي الإتصال الذي أجراه بزشكيان مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان أهميته الخاصة، فالرئيس الإيراني يعرف تماماً أهمية دور الرياض في ترتيب أكبر تحول في السياسة العالمية منذ مطلع القرن، وبلاده تحتاج أكثر من أي وقت مضى إلى مساعدة دول الخليج وفي مقدمتها السعودية لتجنب العزلة والضربات المحتملة، وكان البيان الإيراني عن الإتصال تفصيلياً ولافتاً للأنظار، فيما أقتصر البيان السعودي على القول إنه تناول التطورات ومسائل مشتركة، وكانت قد ذكرت الرئاسة الإيرانية بأن بزشكيان أبدى إستعداد طهران للتفاعل والتفاوض من أجل حل بعض التوترات على أساس المصالح والإحترام المتبادل وأنها لا تبحث عن الحرب، وكان بارزاً في البيان الإيراني ما نقله عن الأمير محمد بن سلمان من أن التعاون بين إيران والسعودية يمكن أن يسهم بصورة فاعلة في تعزيز الإستقرار وإرساء السلام، وأن الرياض مستعدة للقيام بدور يساعد على حل أي توتر وأي زعزعة للأمن في المنطقة، ولا شك في أن إيران ترى في السعودية الآن طرفاً يمكن الإعتماد عليه في التوصل إلى مخارج، خصوصاً مع تنامي الدور الكبير الذي تضطلع به الرياض في ترتيب الحوار الأميركي ـــ الروسي وعشية إستضافتها المرتقبة لترمب، وربما للقاء الأبرز بينه وبوتين، لكن الأمور في خواتيمها ومصير الأشتباك الأميركي – الإيراني لن يكون معزولاً عن حصيلة المفاوضات الأميركية ـ الروسية، وفي الأثناء رفض المرشد الأعلى السيد علي خامنئي القول بوجود وكلاء لطهران وقال : إن في هذه المنطقة قوة وكيلة واحدة وهي الكيان الصهيوني الغاصب والمجرم، وبدلاً من تقديم أجوبة مباشرة عن رسائل ترمب، قال السيد خامنئي : سوف تجتث جذور الصهاينة من فلسطين والمنطقة، وإذا قاموا بأي عمل شرير فسيتلقون ضربة شديدة ومماثلة، وإذا فكروا بإثارة فتنة في الداخل فإن الشعب الإيراني سيرد عليهم كما فعل في الماضي، وكان قد كشف خامنئي خلال خطابات عيد الفطر عن مخاوفه ليس فقط من هجوم خارجي، بل من فتنة داخلية بدت بالنسبة إليه أكثر إثارة للقلق، وترك للرئيس مسعود بزشكيان وحكومته التصرف لمعرفة إلى أين يمكن الوصول مع ترمب في المفاوضات، وعندها نشط الرئيس بزشكيان لتلمس فرص تجنب الصدام عبر إرسال موفديه إلى موسكو وعبر سلسلة إتصالات مع مسؤولين خليجيين وعرب، أبرزها أتصاله مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، ولا بد من أن إيران ترى في المفاوضات الروسية ــ الأميركية فرصة للدخول من الباب الروسي بمعية الأصدقاء الروس ومن ورائهم الصينيين، ولروسيا مصلحة هي الأخرى في خوض الحوار مع أميركا وهي مزودة بعلاقة خاصة مع طهران، مما يضيف أوراقاً تفاوضية قوية في يدها، وتبقى تعرف إيران بأن موضوع التفاعل بين روسيا وأميركا لا يقتصر على أوكرانيا أو حتى أوروبا، فموسكو وواشنطن لديهما مصالح واسعة في عدد من المناطق، بما في ذلك في الشرقين الأدنى والأوسط، وكما قلنا من قبل كان قد كشف السيد خامنئي في خطابات عيد الفطر عن مخاوفه ليس فقط من هجوم خارجي، بل من فتنة داخلية بدت بالنسبة إليه أكثر إثارة للقلق، وكان قد ترك للرئيس مسعود بزشكيان وحكومته وللدبلوماسية الإيرانية المتقدمة في عملها التصرف لمعرفة إلى أين يمكن الوصول مع ترمب في المفاوضات، كما كان إتصال بزشكيان بولي العهد السعودي رهان على دور الرياض في ضمان أمن الإقليم ورعاية مصالحات القرن.

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!