فلسطين

الأورومتوسطي: الصمت الدولي يمنح “إسرائيل” تفويضًا مطلقًا لتصعيد الإبادة بغزة

الشاهين الاخباري

قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إنّ صمت المجتمع الدولي على الجرائم الدامية التي ارتكبتها “إسرائيل” على مدار 18 شهرًا الماضية في قطاع غزة لم يكن مجرد فشل مشين، بل تفويض فعلي لها لمواصلة مجازرها وتصعيد جريمة الإبادة الجماعية عبر العودة إلى القتل الواسع النطاق للفلسطينيين، والاستمرار في التدمير الممنهج لمقومات حياتهم، في سعيٍ واضحٍ لإبادتهم بالكامل هناك.
وحذّر المرصد في بيان وصل وكالة “صفا”، يوم الثلاثاء من أنه، بغض النظر عن الذرائع التي تروج لها “إسرائيل”، فإن الأنماط المنهجية للقتل الجماعي، والتجويع القسري المتواصل، والحرمان المتعمد من المواد الأساسية اللازمة للبقاء، والتدمير الشامل للبنية التحتية في غزة، لا يمكن تبريرها تحت أي ظرف.
وأوضح أن هذه الأفعال تشكّل جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وتعد أفعال إبادة جماعية وفقًا لاتفاقية الأمم المتحدة لمنع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها.
وأكّد أنّ محاولات تصوير هذه الجرائم كضرورات عسكرية أو اعتبارات أمنية ليست سوى تضليل مكشوف للتغطية على جريمة الإبادة الجماعية.
وأضاف أن هذه التبريرات لا تغيّر الواقع القانوني، إذ تُنفَّذ هذه الأفعال بنية واضحة للقضاء على السكان الفلسطينيين في قطاع غزة.
وحذّر المجتمع الدولي من التعاطي مع هذه التبريرات بأي شكل، مؤكدًا أن عليه اتخاذ إجراءات فورية لمحاسبة المسؤولين ومنع استمرار هذه الجريمة ضد سكان القطاع.
ووثق المرصد شن جيش الاحتلال في الساعات الأولى من صباح اليوم 18 آذار/ مارس مئات الغارات الجوية على مختلف محافظات القطاع الخمس، استهدفت معظمها منازل مدنية مأهولة ومراكز لإيواء النازحين وخيامًا للنازحين، ما أسفر عن استشهاد أكثر من 420 شخصًا، بينهم نحو 150 طفلًا وعدد كبير من النساء، إلى جانب إصابة مئات آخرين.
وأوضح أنّ الغارات الجوية كانت متتالية ومتزامنة، واستمرت على هذا النسق العنيف لنحو خمس ساعات (من الثانية صباحًا وحتى السابعة صباحًا)، ما يعني استشهاد شخص كل دقيقة في هذه المدة خلال اليوم في قطاع غزة.
وأشار إلى أنّ الهجمات الإسرائيلية حملت نيّة واضحة لارتكاب عمليات قتل جماعي مقصودة
ووثّق الفريق الميداني استشهاد نحو 30 شخصًا في استهداف منزل لعائلة “قريقع” بحي الشجاعية شرقي مدينة غزة، واستشهاد 25 آخرين باستهداف مدرسة التابعين التي تؤوي نازحين بحي الدرج وسط مدينة غزة، إلى جانب 7 عمليات قتل جماعي أخرى في محافظتي رفح وخانيونس، راح ضحيتها نحو 60 شخصًا من عائلات “أبو طير”، “الحمايدة”، “اصليح”، “أبو سلطان”، “جرغون” و”غبون”.
وأكّد أنّه وفقًا لتحليل بيانات الضحايا، فإنّه في أكثر من حالة، قضت الغارات الإسرائيلية على عائلات بأكملها مكونة من الأب والأم والأبناء، أو حتى عائلات ممتدة، بما يشمل الأجداد والأبناء والأحفاد.
ولفت إلى أنّ الجرائم التي ارتكبها جيش الاحتلال اليوم جاءت بعد أكثر من أسبوعين على إغلاقه المعابر مع قطاع غزة، ومنع دخول جميع أشكال السلع الأساسية والمساعدات الغذائية، بما فيها تلك المنقذة للحياة، إلى جانب الوقود والمستلزمات الطبية الأساسية.
وذكر أن الاحتلال ترك جميع القطاعات الخدمية والحيوية في حالة من الانهيار، على النحو الذي سيعقّد من جهود الاستجابة الإنسانية، لا سيما تقديم خدمات الرعاية الطبية.
وبين أن النظام الصحي في غزة انهار بالكامل، حيث يعمل الآن بقدرة شبه معدومة نتيجة الاستهداف الإسرائيلي المنهجي للمستشفيات والمرافق الصحية، والقصف المباشر لسيارات الإسعاف والفرق الطبية، إلى جانب الحصار الخانق الذي منع إدخال الإمدادات الطبية والوقود اللازم لتشغيل المستشفيات.
وأكد أن هذا التدمير المتعمد للقطاع الصحي سيؤدي إلى ارتفاع أعداد القتلى بشكل كارثي، إذ يُترك الجرحى ينزفون حتى الموت دون إمكانية تلقي العلاج، ويحوّل كل جريح إلى ضحية محتملة.
ولفت إلى أنّه بعد جولة الغارات الجوية المكثفة على قطاع غزة، أصدر جيش الاحتلال أوامر إخلاء فورية لعدة بلدات ومدن على طول الحدود الشرقية لقطاع غزة، ما يعني نزوح عشرات آلاف السكان إلى المجهول، ومفاقمة الأزمة الإنسانية إلى مستويات جديدة.
ونبّه المرصد إلى أنّ “إسرائيل” تحاول تبرير جرائم القتل الجماعي التي ترتكبها بالادعاء باستهدافها لمسلحين أو مطلوبين فلسطينيين، غير أنّه في كثير من الحالات، لم يثبت صحة هذه الادعاءات.
وأضاف “وحتى على افتراض استهداف مطلوبين أو مسلحين، فإنّ ذلك لا يبرر بالمطلق قتل عدد كبير من المدنيين في سبيل ذلك، خصوصًا مع امتلاك الجيش الإسرائيلي لقدرات تسليح ومراقبة فائقة التطور والدقة، على النحو الذي يمكنها قطعًا من استهداف المطلوبين لها باستخدام أسلحة دقيقة أو على الأقل متناسبة، لكنها تتعمد قتل المدنيين وإيقاع أكبر قدر ممكن من الخسائر في الأرواح والإصابات، في إطار وجود النيّة بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية”.
وشدّد على أن “إسرائيل” تبقى ملزمة باحترام قواعد القانون الدولي، بما في ذلك القانون الدولي الإنساني، وضمان تطبيق جميع مبادئه المتعلقة بالإنسانية والتمييز والضرورة العسكرية والتناسب واتخاذ الاحتياطات الواجبة.
واعتبر أن هذا الإلتزام هو التزام مطلق يقع على عاتقها احترامه وضمان احترامه أثناء تخطيطها وتنفيذها لكل عملية من عملياتها العسكرية، جميعها دون استثناء، ويشمل ذلك اختيار الأسلوب الذي تُنفذ به العمليات العسكرية ونوع الأسلحة المستخدمة، بحيث يؤدي إلى الحد الأدنى من الخسائر والإصابات بين المدنيين.
ونوه إلى أنّ “إسرائيل” لم تتوقف عن ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية منذ 7 تشرين أول/ أكتوبر 2023، حتى طوال مدة وقف إطلاق النار الذي نسفته صباح اليوم، إذ تعمدت فرض ظروف معيشية كارثية على الفلسطينيين وحرمتهم من المقومات الأساسية اللازمة للبقاء على قيد الحياة.
وتابع “لكنّ عودتها إلى استخدام القوة المميتة ضد المدنيين يهدّد بتوسّع جريمة الإبادة، وقد يمثل مقدمة لتنفيذ مخططات وجرائم أكثر خطورة من تلك التي ارتكبتها طوال الشهور الطويلة الماضية، خصوصًا في ظل الدعم السياسي والعسكري الأمريكي الكامل، والتعاجز الدولي غير المبرر”.
وبيّن أنّ “إسرائيل” منعت خلال وقف إطلاق النار إعادة تأهيل المستشفيات التي دمرتها، وحظرت إدخال احتياجات هذه المستشفيات الأساسية من أجهزة طبية، وأدوية، ومستهلكات طبية، ومولدات الكهرباء والوقود، ومحطات الأكسجين، ما يؤكد استمرارها في عملية تدمير القطاع الصحي، وحرمان المدنيين من الرعاية الصحية في أكثر اللحظات التي يكونون فيها بأمس الحاجة إليها.
ولفت إلى أنّ الاحتلال ماضٍ في خلق ظروف معيشية قاتلة ترمي إلى إهلاك الفلسطينيين في قطاع غزة، خاصة عند النظر في سياق الفقر والدمار والجوع وسوء التغذية والكوارث الصحية والبيئية التي تسببت فيها الهجمات العسكرية منذ أكتوبر 2023،
ونبّه إلى أنّ التصعيد العسكري واستمرار فرض الحصار المطبق على قطاع غزة، يعكسان نهجًا إسرائيليًا واضحًا لتكريس جريمة الإبادة الجماعية، وفقًا لاتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها لعام 1948، التي تحظر فرض ظروف معيشية على جماعة ما بهدف تدميرها كليًا أو جزئيًا.
ودعا المرصد جميع الدول والكيانات ذات العلاقة إلى ممارسة جميع أشكال الضغط الممكنة على “إسرائيل” لحملها على وقف جميع عملياتها العسكرية في قطاع غزة، والعودة للالتزام باتفاق وقف إطلاق النار، والامتناع عن اتخاذ أي إجراء من شأنه توسيع المأساة الإنسانية في القطاع.
وطالب جميع الدول إلى تنفيذ التزاماتها الدولية، بما يشمل فرض عقوبات اقتصادية ودبلوماسية وعسكرية على “إسرائيل”، بما في ذلك حظر تصدير الأسلحة إليها وشرائها منها، ووقف التعاون العسكري معها، وتجميد الأصول المالية للمسؤولين المتورطين في الجرائم ضد الفلسطينيين.
وأكد على ضرورة تعليق الامتيازات التجارية والاتفاقيات الثنائية، بالإضافة إلى دعم عمل المحكمة الجنائية الدولية في التحقيقات التجارية حول الحالة في فلسطين وعدم عرقلة عملها بأي شكل من الأشكال.
وحثّ المجتمع الدولي على تحمل مسئولياته القانونية والإنسانية بشأن ضرورة تنفيذ إصدار محكمة العدل الدولية في 28 آذار/مارس 2024، تدابير تحفظية تلزم “إسرائيل” فيها باتخاذ الإجراءات اللازمة والفعّالة، وبالتعاون مع الأمم المتحدة، لضمان دخول المساعدات لغزة دون معوقات وبلا تأخير، وذلك تنفيذًا لالتزاماتها بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية

زر الذهاب إلى الأعلى