أقلام حرة

نحو نموذج انتخابي يفرز قيادات بلدية مؤهلة للتنمية والتغيير

كتب ا.د. محمد الفرجات

تُعتبر البلديات في الأردن الركيزة الأساسية للإدارة المحلية، وهي مسؤولة عن تقديم الخدمات الأساسية، وتنظيم المدن والبلدات، ودفع عجلة التنمية المحلية. إلا أن معظم البلديات تعاني من مشكلات جوهرية تعيق قدرتها على أداء مهامها بفعالية، ومن أبرز هذه المشكلات: ارتفاع المديونية، تضخم النفقات الجارية، تدني الإيرادات، التوظيف العشوائي، تراجع جودة الخدمات، وضعف مساهمتها في التنمية المحلية.

في ضوء اقتراب الانتخابات البلدية، ومع توصيات اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية فيما يتعلق بالإدارة المحلية، تبرز الحاجة إلى إعادة النظر في آلية الانتخابات البلدية لضمان وصول قيادات مؤهلة قادرة على إحداث تغيير حقيقي. فكيف يمكن تطوير نموذج انتخابي يفرز مجالس بلدية تمتلك القدرة على تحسين الخدمات، وتحقيق التنمية، وتوفير فرص عمل للسكان؟

واقع البلديات في الأردن: تحديات جوهرية

  1. ارتفاع المديونية وتضخم النفقات

تعاني العديد من البلديات من مديونية مرتفعة تُقيد قدرتها على تنفيذ المشاريع التنموية. يعود ذلك إلى الاعتماد الكبير على الاقتراض، بالإضافة إلى تضخم النفقات الجارية، خصوصًا رواتب الموظفين، مما يحدّ من القدرة على تنفيذ المشاريع الاستثمارية أو تحسين الخدمات المقدمة للمواطنين.

  1. التوظيف العشوائي والترهل الإداري

يُشكّل العدد الكبير من الموظفين غير المؤهلين عبئًا إضافيًا على موازنات البلديات، حيث يتم التوظيف غالبًا لأسباب سياسية أو اجتماعية وليس بناءً على الاحتياجات الفعلية. هذا يؤدي إلى انخفاض الإنتاجية وعرقلة تقديم الخدمات بالكفاءة المطلوبة.

  1. ضعف الإيرادات وتراجع الاستثمار المحلي

تعتمد البلديات بشكل أساسي على الدعم الحكومي والرسوم المحلية، لكن ضعف التخطيط وعدم وجود مشاريع استثمارية مستدامة يؤدي إلى انخفاض الإيرادات. كما أن ضعف البيئة الجاذبة للاستثمار يحدّ من قدرة البلديات على تحقيق الاكتفاء الذاتي ماليًا.

  1. تدني جودة الخدمات

رغم أن البلديات مسؤولة عن قطاعات حيوية مثل البنية التحتية، وإدارة النفايات، والنقل العام، إلا أن ضعف الكفاءة الإدارية، وغياب التخطيط السليم، ونقص الموارد المالية، كلها عوامل تؤدي إلى تراجع جودة الخدمات المقدمة للمواطنين.

  1. غياب الدور التنموي للبلديات

المفترض أن تكون البلديات قاطرة للتنمية المحلية، لكنها تفتقر في كثير من الأحيان إلى الرؤية الاستراتيجية والمشاريع القادرة على خلق فرص عمل وتنشيط الاقتصاد المحلي. بدلاً من ذلك، تنشغل البلديات بتقديم الخدمات اليومية دون خطط طويلة الأمد للنهوض بالمجتمعات المحلية.

نحو نموذج انتخابي يفرز قيادات بلدية مؤهلة وفاعلة

لحل هذه التحديات، لا بدّ من إصلاح جذري في آلية اختيار أعضاء المجالس البلدية ورؤسائها، بحيث تفرز الانتخابات قيادات مؤهلة قادرة على تحقيق التنمية، وتحسين جودة الخدمات، وتعزيز الموارد المالية للبلديات. ويمكن تحقيق ذلك عبر المحاور التالية:

  1. رفع معايير الترشح للانتخابات البلدية

يجب وضع شروط أكثر صرامة لمن يرغب في الترشح، بحيث لا يُسمح إلا لأصحاب الكفاءة والخبرة بخوض الانتخابات. ومن بين هذه الشروط:

امتلاك المرشح لمؤهل أكاديمي مناسب، وخبرة عملية في الإدارة أو التنمية المحلية.

تقديم خطة واضحة للمشاريع التنموية التي سيعمل على تنفيذها خلال فترة ولايته.

الإفصاح عن مصادر تمويل الحملة الانتخابية لضمان الشفافية والنزاهة.

  1. تعزيز دور المواطنين في المساءلة والمشاركة

يجب أن يكون للمواطنين دور فاعل في مراقبة أداء المجالس البلدية من خلال لجان محلية تشرف على تنفيذ المشاريع والخدمات.

إنشاء منصات إلكترونية تتيح للمواطنين تقييم أداء البلديات وتقديم شكاواهم ومقترحاتهم بسهولة.

تشجيع مشاركة الشباب والنساء في الانتخابات لضمان تمثيل أوسع وشمولية أكبر في عملية صنع القرار.

  1. تطوير آلية الانتخابات لتكون أكثر نزاهة وشفافية

استخدام التكنولوجيا في عمليات التصويت والفرز لضمان دقة النتائج ومنع أي تلاعب.

فرض رقابة صارمة على الإنفاق الانتخابي لمنع استغلال المال السياسي في التأثير على الناخبين.

تعزيز الوعي المجتمعي من خلال حملات إعلامية مكثفة تحثّ الناخبين على اختيار المرشحين الأكفأ بدلًا من التصويت على أساس المحسوبية أو العلاقات العشائرية.

  1. وضع معايير لقياس الأداء بعد الانتخابات

يجب ألا تتوقف الرقابة على المجالس البلدية بعد فوزها في الانتخابات، بل ينبغي وضع مؤشرات واضحة لقياس أدائها، مثل:

نسبة تنفيذ المشاريع التنموية مقارنة بالوعود الانتخابية.

مدى تحسن الخدمات المقدمة للمواطنين، مثل النظافة، والطرق، والإنارة، وغيرها.

القدرة على زيادة الإيرادات وتقليل الاعتماد على الدعم الحكومي.

مستوى التفاعل مع المجتمع المحلي وحل مشكلاته بفعالية.

خاتمة: بلديات قوية تعني تنمية مستدامة

إن نجاح البلديات في أداء دورها التنموي والخدمي يتطلب مجالس بلدية قوية، يقودها أشخاص أكفاء لديهم رؤية واضحة وخطط عملية للنهوض بمناطقهم. وهذا لا يمكن تحقيقه إلا من خلال إصلاح آلية الانتخابات، ورفع مستوى الشفافية، وتعزيز المساءلة الشعبية.

إذا أردنا بلديات قادرة على تحقيق التنمية وخلق فرص العمل وتحسين جودة الحياة، فإننا بحاجة إلى تغيير ثقافة الانتخابات، بحيث تصبح قائمة على الاختيار الواعي للكفاءات، وليس على المصالح الضيقة والمحسوبيات. عندها فقط، يمكن للإدارة المحلية أن تصبح قاطرة حقيقية للتنمية المستدامة في الأردن.

زر الذهاب إلى الأعلى