
النازحون شمال الضفة.. معاناة مستمرة وأمل في العودة
الشاهين الاخباري
منذ 21 كانون الثاني/ يناير الماضي، وبعد 48 ساعة من دخول وقف إطلاق النار على قطاع غزة حيز التنفيذ، شن الاحتلال الإسرائيلي عدوانا غير مسبوق على الضفة الغربية، تركز على محافظات شمال الضفة، وما زال متواصلا في جنين وطولكرم، ما أسفر عن نزوح أكثر من 40 ألف مواطن عن منازلهم قسرا، خاصة في مخيمات جنين وطولكرم ونور شمس للاجئين، مع تدمير مئات المنازل وتجريف واسع للبنية التحتية.
وفي مخيم جنين، نزح قرابة 3200 عائلة من أحياء المخيم وحاراته، وتشير بيانات بلدية جنين إلى توزع النازحين بين المدينة وبلدات المحافظة وقراها، حيث توزع 4000 نازح على مراكز إيواء في المدينة أهمها: مركز الكفيف والمركز الكوري، فيما استقبلت بلدية برقين غربا وحدها قرابة 4700 نازح، ولجأ الباقون إلى منازل الأقارب في البلدات والقرى المجاورة.
النازح من مخيم جنين محمد عبد الوهاب (42 عاما) في مركز الكفيف بمدينة جنين، أب لأربعة أطفال أكبرهم يبلغ من العمر 10 سنوات، يقول إنه اضطر إلى ترك منزله منذ اليوم الثالث لبدء اجتياح المخيم، بعد تهديد طائرات الاحتلال المسيرة للمواطنين بضرورة إخلاء منازلهم ومغادرتها عبر ممر واحد وهو باتجاه واد برقين غرب المخيم.
ويتابع عبد الوهاب: “في البداية حاولت الخروج لاستكشاف الطريق قبل أن أنقل عائلتي، لكن الوضع كان صعباً جداً، فالمخيم كان محاصراً بشكل كامل من جهاته كافة، وسط انتشار كثيف لجنود الاحتلال داخل الحارات والأزقة، فأُجبرنا على الخروج عبر ممر واحد من جهة دوار العودة غرب المخيم ومنه إلى برقين، وفي ذلك اليوم اضطررنا إلى المرور من أمام كاميرات وضعها جيش الاحتلال ترصد بصمة وجه كل نازح، فكان الجنود يحتجزون البعض ويحققون معهم ويعتقلون عددا منهم”.
ويقضي عبد الوهاب وعائلته أيام شهر رمضان الفضيل في مركز الكفيف في ظروف بالغة الصعوبة، بعيداً عن منزله وبقية أقاربه، ويتشارك مع باقي النازحين وعددهم قرابة 85 نازحا مطبخاً واحداً يحضّر فيه الإفطار بشكل جماعي، فيما يقضي أطفاله أيامهم بعيدين عن مقاعد الدراسة، التي حُرموا منها منذ بدء الفصل الدراسي الثاني.
ويقول عبد الوهاب: “مستقبل الأطفال ضاع فعلياً، طوال الوقت يقضونه هنا في المركز، لا دراسة، ولا فعاليات ولا حتى زيارات للأهل، يلعبون هنا في هذه الحديقة الصغيرة، حيث تتوفر بعض الألعاب”.
النازحة “أم علي” (26 عاما) في سكن الجامعة العربية الأمريكية، تعيش مع عائلتها ظروفا صعبة بعيدا عن منزلها في المخيم.
وتقول وهي تحاول تحضير مائدة إفطار لعائلتها: “لا شيء هنا يشبه حياة رمضان في المخيم، لا جمعات الأهل ولا العادات التي اعتادوا عليها ولا شيء”.
وتعتمد “أم علي” والعديد من النازحين على الطعام الذي تقدمه التكيات الخيرية وعدد من المطاعم في مدينة جنين لإعداد مائدة الإفطار.
وتشير إلى أنها نزحت من منزلها في المخيم في اليوم الأول من العدوان، مع أطفالها الثلاثة وأم زوجها، في حين يعمل زوجها خارج جنين.
وتقول: “آثرت النزوح لأحمي أطفالي، رغم أن رحلة النزوح لم تكن آمنة وسط إطلاق الاحتلال الرصاص الحي بصورة عشوائية، وكادت إحدى الرصاصات تصيب أحد أطفالها بعد أن اخترقت نافذة المركبة التي أقلّتهم”.
وفي طولكرم، أسفر العدوان المتواصل على المدينة ومخيميها عن نزوح قسري لأكثر من 9 آلاف مواطن من مخيم نور شمس، و12 ألفا من مخيم طولكرم.
المواطنة بشرى شهاب، وهي من سكان حارة “مريعة حنون” في مخيم طولكرم، وتنزح حاليا في المركز الثقافي الرياضي في المدينة، تروي تفاصيل اللحظات العصيبة التي عاشتها لحظة اقتحام قوات الاحتلال المخيم في 27 شباط/ فبراير الماضي، ما اضطرها إلى مغادرة منزلها بشكل مفاجئ مع بناتها الثلاث، وأصغرهن تبلغ 4 سنوات وأكبرهن 9.
وتقول شهاب: “خرجنا من المنزل في اليوم الذي اقتحم فيه جنود الاحتلال المخيم، كنّا في حالة من الخوف والهلع، وتركنا كل شيء خلفنا، حتى طعام الغداء لم نتمكن من تناوله، رأيت جميع جيراني ينزحون من الحارة، بينما اقتحم جنود الاحتلال المكان بطريقة همجية، واعتدوا على جارنا المسن من ذوي الإعاقة الحركية بالضرب دون أي رحمة”.
وتوضح أنها عادت قبل أيام لتفقُّد منزلها، فوجدته مدمرا بالكامل، حيث تحطمت الأبواب والأثاث والجدران ولم يعد صالحا للسكن وبحاجة إلى إصلاحات شاملة.
وتشير شهاب إلى تأثير توقف التعليم في أطفالها بسبب العدوان، ومع أنها لجأت إلى التعليم الإلكتروني لتعويض الفاقد التعليمي، فإن النتائج تبقى محدودة بسبب الأوضاع الصعبة التي تعيشها العائلة في مكان النزوح، مشيرة إلى أن أطفال المخيم بحاجة إلى التفريغ النفسي خاصة في هذا الوقت الصعب.
وفيما يتعلق بتصريحات الاحتلال التي تزعم أن العودة إلى المخيم لن تكون ممكنة قبل عام، تشدد شهاب على أن المواطنين متمسكون بحقهم في العودة إلى المخيم، قائلة: “أملنا بالله كبير، ورغم الألم والدمار، يبقى التفاؤل سيد الموقف، الأطفال يشتاقون للمخيم وللحياة التي كانت تزخر بالأمن والاطمئنان قبل أن يحل هذا الخراب”.
ويشار إلى أن آلاف الأطفال النازحين من مخيمي طولكرم ونور شمس يواجهون تحديات كبيرة في استكمال تعليمهم، في ظل استمرار الحصار والعدوان العسكري الإسرائيلي الذي طال المدارس والبنية التحتية التعليمية في المنطقة.
وتحدث المواطن عطّاف مصلح، من سكان حارة الحدايدة في مخيم طولكرم، وينزح في المركز الثقافي الرياضي بالمدينة، عن معاناته منذ اليوم الأول لاجتياح المخيم، حيث اضطر إلى النزوح من منزله برفقة أفراد أسرته البالغ عددهم تسعة أشخاص، بعدما فرضت قوات الاحتلال حصارا خانقا على المنطقة.
ويقول مصلح: “خرجنا وسط الخوف والرعب مع انتشار آليات الاحتلال في كل مكان. تفرقنا بين من لجأ إلى منازل الأقارب، ومن توجه إلى مراكز الإيواء، ولا نزال مشتتين حتى الآن”، مشيرا إلى أن بعض أفراد عائلته اضطروا إلى العودة إلى المخيم رغم خطورة الوضع.
ويواجه مصلح صعوبة كبيرة في توفير البيئة التعليمية المناسبة لابنته التي تدرس الثانوية العامة، قائلا: “لا أستطيع توفير الأجواء المناسبة لها للدراسة، كما أن شراء المواد الدراسية مثل الدوسيات يتطلب مبالغ مالية ليست متوفرة، خاصة أن الأولوية الآن أصبحت لتأمين الطعام”.
وتعيش المسنة يسرى سليمان فرج، من سكان حارة المنشية في مخيم نور شمس شرق مدينة طولكرم، معاناة النزوح بعد أن هدم الاحتلال منزلها.
وتروي فرج تفاصيل ما حدث قائلة: “داهم جنود الاحتلال منزلنا في التاسع من شباط/ فبراير الماضي بينما كنّا داخله، وأجبرونا على المغادرة تحت تهديد السلاح، فلم يكن أمامنا خيار سوى الخروج وسط الذعر والخوف”.
وبعد النزوح، لجأت المسنة إلى بلدة عنبتا لفترة قصيرة، ثم انتقلت للعيش في منزل ابنتها في حارة المربعة في مخيم طولكرم، بعد أن فقدت مأواها الذي بنته بجهد وتعب على مدار سنوات.
ورغم قسوة المشهد، تؤكد فرج، وهي أم لست بنات، أنها لا تزال متمسكة بالأمل في العودة، قائلة: “منزلي كان ثمرة تعبي، وبنيت فيه أجمل الذكريات، لكنه سُوّي بالأرض في لحظة، ورغم كل شيء، أؤمن بأننا سنعود مهما حصل”.
ويواصل الاحتلال تدمير منازل مخيم نور شمس، في إطار مخططاته الرامية إلى تغيير جغرافية المكان وتهجير سكانه.
وفي جلسة مجلس الوزراء الأسبوعية، الثلاثاء، شدد رئيس الوزراء محمد مصطفى على أهمية إيلاء ملف إيواء النازحين من منازلهم في مخيمات شمال الضفة أهمية كبرى، على أن تواصل اللجنة الوزارية للأعمال الطارئة عملها مع مختلف الشركاء في توفير ما أمكن من احتياجات أبناء شعبنا، وتسريع خطط التحضير لإعادة الإعمار.
وثمن مجلس الوزراء، مختلف المبادرات والحملات المؤسساتية والشعبية لمساندة العائلات في مخيمات شمال الضفة، وتكامل الجهود مع اللجان الحكومية لتعزيز صمود أبناء شعبنا.
واستعرض رئيس اللجنة الوزارية سامي حجاوي الجهود المبذولة في توفير احتياجات أبناء شعبنا خصوصا إقامة مراكز إيواء جديدة، والتنسيق مع لجان الطوارئ في المحافظات والهيئات المحلية لتوفير ما يلزم من احتياجات للعائلات التي أجبرها الاحتلال على النزوح عن منازلها.
وأفاد مركز الاتصال الحكومي، بأنه رغم الأزمة المالية المستمرة الناتجة عن اقتطاع الاحتلال لأكثر من نصف قيمة المقاصة الشهرية، فقد خصصت الحكومة الفلسطينية خلال الأشهر الأربعة الأخيرة نحو 34 مليون شيقل من المالية العامة لإعادة تأهيل البنية التحتية التي دمرها الاحتلال في شمال الضفة، وتعزيز صمود أبناء شعبنا، ودعم جهود لجان الطوارئ في المحافظات والبلديات واللجان الشعبية في المخيمات.
وفا- هدى حبايب وفاطمة ابراهيم