أقلام حرة

العرس والغداء والعادات…

إبراهيم أبو حويله …

جلس ابو محمد بعد انتهاء العرس الحافل الذي اقامه لأبنه ولاقى قبولا كبيرا، سهرات وغداء وحفلة فندق، ألاف مؤلفة دفعت، وبعد جردة حساب أتضح ان المبلغ الذي اخذه من البنك سيبقى دينا إلى أمد غير مسمى، فالنقوط لم يصل إلى نصف تكلفة الغداء، وباقي التكاليف ظلت كما هي، كان من الممكن أن تكون حفلة العرس ضمن المبلغ الذي يملكه ولكن …

الأبن لم يستطع أن يوفر شيئا من راتبه الذي بالكاد يكفيه، وأراد الأب أن يفرح به، وكان من الممكن ترتيب الأمر بشكل يحقق فرحة للعائلة والدائرة المقربة، ولكن جاءت نصيحة من هنا بضرورة إقامة وليمة غداء، ونصيحة من هناك بضرورة إقامة حفلة للنساء والعروس في فندق حرام تكسر بخاطرهم، ونصيحة بسهرة عرس للشباب، ونصيحة ونصيحة ونصيحة.

أصبحت حفلة العرس حفلات مركبة، والتكاليف قفزت إلى أرقام مرعبة، من يلوم في هذا الوضع الذي وصل إليه، وماذا يستطيع ان يفعل، هل يبيع قطعة الأرض ويسدد الدين أم يبيع سيارته، أم يُسجل في سجل النصابين الذين يلاحقهم الدائنون من مكان إلى أخر، كان من الممكن ان يكون العرس عرسا جميلا مريحا عائليا ودافئا، ولكن..

هل يلوم نفسه لأنه سعى لأن يصنع لنفسه سمعة بين الناس أنه قادر ويستطيع، ام يلوم الذين نصحوه وغشوه بضرورة وضرورة وضرورة، كان يرى هذه الحالة وهي تتكرر بإستمرار، ويسمع عن قصة فلان الذي صرف في عزاء والده مبالغ ضخمة، وإستدان ليقيم وليمة غداء للوالده المتوفى، خوفا من أن تقول الناس لم يصنع طعام الغداء لوالده، فهل فيه خير للناس، وفلان الذي إقام وليمة لولده إغلق بها شوارع كاملة وانزل المئات من المناسف التي ذهب معظمها في حاويات القمامة، وفلان الذي كبر حجره ففلق رأسه به.

وجلس يلوم نفسه على ما جنته يداه، وأصبح مهموما مغموما، وأصبحت تلك المناسبة سببا في تعاسته وكأبته، كان من الممكن أن يستمع لصوت العقل، وان لا ينصاع لتلك النصائح المدمرة التي قضت عليه وعلى صحته وسمعته ولكن ..

هذه الأعباء تركت شرخا كبيرا لم يستطع أحد أن يتجاوزه، فمن جهة كلما رأى الأب زوجة إبنه عادت له همومه، ومن جهة اخرى يرى الأبن هذا الألم الذي تركه عرسه في حياة أهله بعد أن كانت أمنة مستقرة، وأثر كل ذلك على تصرفاته مع زوجته ومع أهلها، وأدت هذه التركمات إلى طلاق سريع، وعاد الإبن إلى حضن الأسرة، ولكن هناك شيء يثقل على الجميع، ويحمله الجميع، ويعيش مع الجميع، إلى تلك الدرجة التي تراه في الوجوه، وتسمعه بين الكلمات، وتقرأه في ملامح الوجوه، كان من الممكن تجاوز كل ذلك ولكن..

هل يدرك من يسعى إلى توريط الناس في نصيحة خادعة ما قام به، سواء كانت تلك النصيحة بحسن نية أو جهل غير معذور، هل يدرك حجم المصيبة التي يسببها لتلك العائلات التي كانت مستقرة تبحث عن سعادة لإبنها ما قام به، هل يدرك أن سهرة إضافية وتكاليف إضافية وغداء كبير وحفلة فندق أو صالة قد تؤدي إلى ضائقة مالية تستمر لسنوات طويلة عند هذه الأسر.

وإن كان الله قد أنعم على فلان بنعمة المال، هل يدرك أن ما يقوم به قد يؤدي إلى مصائب عظيمة، فهذه المرأة قد تغار مما فعله فلان وزوجته لإبنه، وكيف أن فلانة أقامت عرسا باهرا، وثوب العروس كلف كذا، والتسريحة كلفت كذا، والسهرة كلفت وكلفت.

لقد كانت العادات نعمة، ففي العرس كان الجميع يساهم بما يقدر، وتلك المساهمات البسيطة كانت تفتح بيوتا، والتكافل كان يساهم بتأمين كل ما يحتاج إليه البيت الجديد، ويتم تأسيس أسرة جديدة بدفء ومحبة، وبدون أعباء كبيرة، ويكون قادرا على أن يبدأ حياته بطريقة صحية سليمة، وحتى الوليمة كانت صغيرة وبسيطة، ولكنها كانت تحمل كل معاني الكرم والطيبة والتكافل والتآلف، فهذا الطعام يشارك فيه الكل، ويؤكل حتى أخر لقمة.

لقد تغيرنا وتغيرت أخلاقنا وعاداتنا، وباتت العادات في كثير من صورها لعنة وليست نعمة، ولذلك تنادت مجموعة من الأصوات العاقلة لإعادة صوت العقل والحكمة إلى عاداتنا، لتعود كما كانت تكافل ورحمة ونعمة .

أضم صوتي إلى ذلك الصوت الذي ينادي بإحياء وثيقة السلط الشعبية، وسألتزم بها وأدعو إلى الإلتزام بها، وسأقاطع كل تلك المناسبات التي لا تلتزم بها، لأني أشعر مع غيري بحجم المعاناة الكبيرة التي تسببها تلك التجاوزات في العادات والتقاليد، ولأني أشعر بحجم الألم الذي تسببه للكثير من المواطنين الذين بالكاد قادرون على تسير حياتهم، فتأتي تلك التجاوزات لتجعل الحياة جحيما بالنسبة لهم.

زر الذهاب إلى الأعلى