المفرق: سيدة الإجماع والاجتماع،وأرض الفرص الواعدة
د.بيتي السقرات/ الجامعة الأردنية
لكل شيء من اسمه نصيب، إلا المفرق، فهي سيدة الإجماع والاجتماع. تمتد هذه المحافظة في شمال شرق الأردن، كأنها قلب نابض يربط بين ثقافات وأعراق متعددة. يقطنها أناس متنوعو الأصول والمنابت، ليشكلوا فسيفساء بشرية تعكس صورة الأردن الكبير بمساحته وتعدده الاجتماعي والثقافي.
المفرق تمتلك واجهتين للأردن من الناحيتين الشرقية والشمالية، مما جعلها تاريخيًا بوابة للتواصل والتجارة، ومحطة للمسافرين والوافدين. أهلها طيبون وأصحاب نخوة وشهامة، يعيشون بتناغم بين قبائل وأهل قرى وأهل مدينة، والمسجد فيها بجانب الكنيسة، في صورة تجسد روح التآخي والتعايش. وإذا زرت المفرق، ولو لفترة قصيرة، ستشعر أنك بين أهلك وفي بيتك، لأن كرم الضيافة هناك ليس مجرد تقليد، بل هو جزء أصيل من هوية المكان.
المفرق تجسد صبر الأردن وكرمه، إذ لطالما كانت حضنًا دافئًا للهجرات المتعددة، منذ ما قبل تأسيس الدولة. استقبلت موجات النازحين من فلسطين والعراق، ثم احتضنت الأشقاء السوريين في محنتهم، دون أن تشتكي أو تتراجع عن دورها الإنساني. ورغم ذلك، لم تحظ بما تستحقه من الاهتمام، رغم ما تمتلكه من موارد طبيعية وإمكانات هائلة.
تضم المفرق جامعة آل البيت، التي تحمل اسمًا يعكس عمقها الثقافي والديني، بالإضافة إلى كلية نسور الطيران الجوي، التي تُعد بوابة نحو مستقبل الشباب في مجال الطيران والدفاع. لكن هذه المنشآت، رغم أهميتها، ليست كافية لدفع عجلة التنمية في المحافظة.
تتميّز المفرق بتكوين جيولوجي متنوع، حيث تمتد فيها الطبقة البازلتية السوداء، وهي إحدى السمات الفريدة في المنطقة، مما يجعلها أرضًا خصبة لدراسات الجيولوجيا والتعدين. كما أن سماءها الصافية، البعيدة عن التلوث الضوئي، تجعلها موقعًا مثاليًا لمراقبة النجوم وإنشاء مراصد فلكية متقدمة، مما يفتح الباب أمام مشاريع علمية وسياحية متميزة. ورغم مساحاتها الشاسعة، لم تُستغل المفرق بعد زراعيًا بالشكل الأمثل. فهي أرض بكر قادرة على إعادة الأردن إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي وخلق أمن غذائي في المحاصيل الأساسية، مما يجعلها مؤهلة لتكون سلة غذاء حقيقية للوطن.
إضافة إلى ذلك، فإن أراضيها الواسعة تُعد بيئة مثالية لمشاريع الطاقة المتجددة، سواء في الطاقة الشمسية أو طاقة الرياح. كما يمكن أن تصبح مركزًا صناعيًا متقدمًا يستقطب الاستثمارات ويوفر فرص عمل لأبنائها.
أدرك جلالة الملك عبدالله الثاني الأهمية الاستراتيجية للمفرق، حيث قال جلالته عن موقعها المتميز: “يجب الاستفادة من ميزة هذا الموقع لجذب الاستثمار، الذي بدوره يساهم في حل جزء من التحديات، فالمفرق تعد مركزًا لوجستيًا مهمًا.” هذه الرؤية تعكس إدراك القيادة لأهمية تحويل المفرق إلى بوابة اقتصادية متكاملة، تعزز دورها كمحور رئيسي في النقل والتجارة والاستثمار، مما سيسهم في تطوير بنيتها التحتية، واستقطاب المشاريع الكبرى التي توفر فرص العمل وتحقق التنمية المستدامة.
المفرق ليست مجرد نقطة على الخارطة، بل هي فرصة لم تُستغل بعد. لديها كل المقومات لتكون مركزًا زراعيًا وصناعيًا وعلميًا متطورًا إذا ما حظيت بالدعم والاستثمار المناسب. وكما كانت عبر التاريخ موطنًا للتعدد والتعايش، فهي اليوم تنتظر أن تكون موطنًا للتنمية والتقدم، فتُضاف فصول جديدة إلى قصتها التي لم تُكتب نهايتها بعد. “المفرق، المعروفة تاريخيًا بالفدين، هي من أقرب المحافظات إلى وِتيني.”