أقلام حرة

بشار الأسد ومستقبل النظام في ظل هذه التوترات

المحامي فيصل الخزاعي الفريحات

أن سوريا تشهد تصاعداً في التوترات العسكرية والسياسية بعد أعوام من الصراع الذي تحول إلى أزمة إنسانية وسياسية معقدة، واليوم فإن عودة الأشتباكات وتصاعد العمليات العسكرية في مناطق مختلفة من البلاد يؤشر إلى إستمرار تعقيدات النزاع السوري، إذ تتقاسم القوى الإقليمية والدولية النفوذ والمصالح، لفهم هذه التشابكات، يتعين تحليل أدوار القوى الفاعلة في سوريا، والنظر إلى مستقبل البلاد في سياق التطورات الإقليمية والدولية، وعلى مدار أكثر من عقد كانت قد أصبحت سوريا ساحة مفتوحة لصراع متعدد الأطراف، عودة التوترات الحالية تعكس تشابكات متجددة للصراع بين القوى الإقليمية والدولية، تركيا على سبيل المثال تسعى جاهدة لتوسيع نفوذها في الشمال السوري تحت مبرر مكافحة الجماعات الكردية ألتى تعدها تهديداً لأمنها القومي، في المقابل تحاول الولايات المتحدة الأمريكية الحفاظ على وجودها العسكري في شمال شرقي سوريا، إذ تدعم قوات سوريا الديمقراطية ” قسد ” بهدف مواجهة تنظيم “داعش”، فإن هذا الوجود يثير حفيظة كل من تركيا وروسيا، بدورها تعد روسيا أحد أبرز اللاعبين في المشهد السوري، إذ تدعم النظام السوري عسكرياً وسياسياً، تدخلها في الصراع منذ 2015 أعاد للنظام السوري سيطرته على أجزاء واسعة من البلاد، لكنها تواجه تحديات في الحفاظ على هذا النفوذ خصوصاً في ظل الضغوط الإقتصادية المتزايدة والتوترات مع الدول الغربية، إلى جانب روسيا، تلعب إيران دوراً مهماً ورئيساً في دعم النظام في سوريا، إذ تعتمد طهران على سوريا كجزء من إستراتيجيتها الإقليمية لتأمين نفوذها في الشرق الأوسط وربط حلفائها في العراق ولبنان، في وقت يبقى فيه الدور الأميركي يتركز على محورين رئيسين، ما يسمى بمحاربة الإرهاب، ومحاولة تقليص النفوذ الإيراني والروسي في المنطقة، وسياسات واشنطن تجاه سوريا تبدو غير مستقرة، مما يترك مجالاً للقوى الأخرى للتقدم وفرض رؤاها، تركيا على سبيل المثال، تستغل التردد الأميركي لتعزيز عملياتها في المناطق الحدودية، أما إسرائيل، فتواصل تنفيذ ضربات جوية متكررة داخل سوريا، مستهدفة مواقع إيرانية وأخرى تابعة لـ”حزب الله” في محاولة لإضعاف الوجود الإيراني وتقليص تهديداته، وسيظل مستقبل سوريا غامضاً في ظل هذه التشابكات، خاصة وأن عودة التوترات العسكرية تبقى تشير إلى إستمرار الصراع لفترة أطول، إذ يبدو أن الأطراف المختلفة غير مستعدة للتوصل إلى تسوية شاملة، من جهة هناك إحتمال لتعزيز التقسيم الفعلي للبلاد، مع بقاء مناطق نفوذ مختلفة تحت سيطرة تركيا، والولايات المتحدة، والنظام السوري المدعوم من روسيا وإيران، من جهة أخرى فإن إستمرار الأزمة الإقتصادية داخل سوريا، والتحديات الإنسانية، يفاقم معاناة الشعب السوري ويدفع بمزيد من اللاجئين إلى البحث عن الأمان خارج الحدود مما دفع بالأردن بإغلاق معبر حدود جابر مع سوريا، كما أن التطورات الإقليمية قد تؤدي إلى إعادة صياغة المواقف، خصوصاً إذا إستمر التقارب بين الدول العربية وإيران، أو إذا قررت تركيا تحسين علاقاتها مع النظام السوري ضمن إطار إتفاقات إقليمية، ولكن لتحقيق السلام والأستقرار، ستحتاج سوريا إلى جهود دولية حقيقية تركز على إنهاء النزاع بصورة شاملة، مع ضمان إحترام تطلعات الشعب السوري في الحرية والكرامة، ومن ثم فإن عودة التوترات في سوريا ليست مجرد تصعيد عابر، بل إنعكاس لصراعات متشابكة بين قوى داخلية وخارجية تسعى لتحقيق مصالحها، ومع غياب أفق واضح للحل، يظل الشعب السوري هو الخاسر الأكبر في هذا الصراع المستمر مما يجعل الحاجة إلى تسوية شاملة أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى، وتأتي التوترات الأخيرة في سياق إقليمي مضطرب، إذ تشهد المنطقة تحولات سياسية وأمنية مهمة، فالموقف في سوريا في ظل دعم إيران النظام السوري كجزء من إستراتيجيتها الإقليمية، من ناحية أخرى يشير التوتر المتصاعد بين الولايات المتحدة وروسيا، على خلفية الحرب الأوكرانية وتداعياتها العالمية، إلى أن سوريا قد تظل ساحة للصراع بالوكالة بين القوى الكبرى، وفي الوقت ذاته يبدو أن النظام السوري يعتمد إستراتيجية متعددة الجوانب للبقاء في السلطة، على رغم ضعفه الإقتصادي والعسكري، يستفيد النظام من الدعم الروسي والإيراني للحفاظ على سيطرته، كما أنه يسعى إلى تحسين علاقاته مع الدول العربية، إذ شهدنا أخيراً خطوات لإعادة دمج سوريا في جامعة الدول العربية، لكن هذه الجهود تصطدم بواقع معقد يتمثل في إستمرار العقوبات الغربية، وأستمرار النزاعات على الأرض، وفشل النظام في تقديم إصلاحات سياسية وأقتصادية حقيقية، وفي تطور مفاجئ، إستعادت المعارضة السورية المسلحة مدينة حلب في هجوم سريع شكل ضربة موجعة لنظام بشار الأسد وحلفائه الرئيسين، روسيا وإيران وحزب الله، وسلط تقرير في وول ستريت جورنال الضوء على هذا الأنتصار وكيف أعادت النزاعات الإقليمية تشكيل ميزان القوى في سوريا تاركة نظام الأسد في موقف هش وسط تغيرات جيوسياسية واسعة في الشرق الأوسط، ولفت التقرير إلى المفارقة الكبيرة في سير المعارك، إذ سيطرت المعارضة بقيادة هيئة تحرير الشام، وهي جماعة مسلحة لا تزال مصنفة كمنظمة إرهابية من قبل واشنطن رغم تبروئها من تنظيم القاعدة المدعومة من تركيا خلال أيام قليلة فحسب، في تناقض حاد مع المعركة الطويلة ألتي خاضها النظام لاستعادة حلب عام 2016، واستخدمت المعارضة تكتيكات متقدمة وذكاء إصطناعي ومسيرات حربية مستوحاة من تجارب الحرب في أوكرانيا، وركزت على تقديم صورة أكثر إعتدالا ً وشمولية لكسب دعم محلي ودولي، إذ حث القائد العسكري للهيئة أبو محمد الجولاني أتباعه الإسلاميين السنة على تجنب إيذاء الشيعة والأقليات الأخرى، والحفاظ على النظام في المدينة، وذكر التقرير بأن ضعف حزب الله الذي كان يعد القوة القتالية الأكثر فاعلية لدعم نظام بشار الأسد لعب دوراً كبيراً في خسارة النظام لحلب، وتعرض الحزب لخسائر فادحة بعد إعادة نشر قواته من سوريا لمواجهة إسرائيل عقب هجوم حماس خلال السابع من تشرين أول/ أكتوبر 2023، وهي مواجهة أدت إلى سقوط كامل قيادات الحزب تقريباً وتدمير ترسانته العسكرية وشل قدراته العملياتية بصورة كبيرة، هذه المواجهة مع إسرائيل تركت فراغاً عسكرياً في سوريا وكشف عن أن قوات بشار الأسد تفتقر إلى التدريب والأنضباط لمواجهة قوى المعارضة المتجددة، مما أدى بالنتيجة إلى إنسحاب فوضوي من حلب، كما واجهت إيران الداعم الآخر لنظام الأسد، إنتكاسات كبيرة أيضاً، بعد أن كانت قد أسفرت الضربات الإسرائيلية في سوريا ولبنان عن مقتل قيادات بارزة في الحرس الثوري الإيراني وتدمير بنى تحتية عسكرية حيوية، وكانت المواجهة الصاروخية المباشرة الأولى بين إيران وإسرائيل كارثية بالنسبة إلى طهران، إذ تسببت في تآكل نفوذها العسكري وهيبتها الإقليمية، وأشار التقرير أيضا إلى تدهور قدرة روسيا على دعم نظام بشار الأسد بصورة كبيرة بسبب إستنزاف مواردها العسكرية في أوكرانيا، فقد أضعفت الحرب الطويلة روسيا عسكرياً واقتصادياً، مما جعل ضرباتها الجوية في سوريا قليلة التأثير في تقدم المعارضة، وتبقى تعكس هذه التطورات تقلص النفوذ الروسي في سوريا مقارنة بطموحاته السابقة في الشرق الأوسط، واغتنمت المعارضة الفرصة لدعوة روسيا لإعادة النظر في دورها، وبثت مشاهد تظهر مقتل جنود روس وتمزيق لوحات تحمل صور بوتين والأسد، ولفت التقرير إلى بروز تركيا كقوة رئيسة مستفيدة من ضعف خصومها، وعلى رغم إنتقادات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لإسرائيل بسبب حرب غزة، فإن دعمه لقوى معارضة لـ حزب الله والنظام السوري يتماشى بصورة غير مباشرة مع مصالح إسرائيل، مما يعكس مقاربة براغماتية تركية للتعامل مع التحديات الإقليمية، وتعد إسرائيل التطورات الأخيرة في حلب مكسباً استراتيجياً، إذ أجبرت إيران وحزب الله على تشتيت أنتباههما ومواردهما بعيداً من الصراع المباشر معها، ووسط هذه التحولات يجد بشار الأسد نفسه في موقف ضعيف، وعلى رغم محاولاته لترميم العلاقات مع دول مجلس التعاون الخليجي والحفاظ على هدوء نسبي خلال النزاعات الأخيرة، فإن نظامه لا يزال يعاني ضغوطاً متزايدة، كما تعد خسارة حلب ضربة رمزية وعسكرية لمكانته في سوريا ونقطة تحول في الحرب السورية المستمرة، ومع تراجع قوات الأسد وحلفائه تبدو موازين القوى في سوريا تتحرك بعيداً من النظام لمصلحة لاعبين جدد، وبخاصة تركيا، وخلص التقرير إلى أن التطورات الأخيرة تعكس الترابط العميق بين النزاعات الإقليمية، إذ تؤثر معارك غزة وأوكرانيا ولبنان على الوضع السوري، مما يعيد تشكيل التحالفات ويغير خريطة المنطقة الجيوسياسية، وقد كشفت سيطرة المعارضة السورية على حلب عن تراجع قوة نظام الأسد وداعميه روسيا وإيران وحزب الله.

زر الذهاب إلى الأعلى