أقلام حرة

سر النجاحات الصغيرة.. في عالم الكبار..

محمود الدباس – ابو الليث..

في ظل هيمنة الدول المتقدمة على الصناعات الثقيلة والمتقدمة.. تجد الدول النامية نفسها تواجه تحديات كبيرة لتحقيق التنمية الاقتصادية دون الاصطدام بمصالح تلك الدول.. أو السياسات الدولية التي قد تعوق نموها..
الأردن.. كغيره من الدول النامية.. يواجه هذه التحديات.. اكان بشكل مباشر او غير مباشر.. ولكنه يملك الفرصة للتركيز على الصناعات الصغيرة والمتوسطة.. والتي يمكن أن تدر دخولا جيدة لأصحابها وترفع من الناتج المحلي الإجمالي..

من المهم أن تدرك الحكومة الأردنية.. أن التوازن بين الحفاظ على العلاقات الجيدة مع الدول المتقدمة.. والعمل على تنمية الاقتصاد المحلي.. يعد أمراً بالغ الأهمية.. فيمكن للحكومة أن تشجع المواطنين على الدخول في مشاريع صغيرة ومتوسطة لا تتضارب مع مصالح الدول الكبرى..
مثلاً.. يمكن للصناعات الغذائية المحلية أن تلعب دوراً كبيراً في دعم الاقتصاد المحلي.. من خلال تشجيع المزارعين على استخدام التكنولوجيا الزراعية الحديثة لتحسين الإنتاجية وجودة المنتجات.. مما يفتح أسواقاً جديدة داخل وخارج البلاد..

كما أن الصناعات الحرفية والتقليدية.. يمكن أن تستفيد من التراث الثقافي الغني في الأردن.. لتطوير منتجات حرفية تقليدية تجذب السياح.. وتزيد الصادرات.. فالصناعات اليدوية مثل صناعة الفخار.. التطريز.. والحرف اليدوية الأخرى.. يمكن أن تكون مصدر دخل مستدام للكثير من العائلات..

وفي قطاع السياحة.. يمكن تعزيز السياحة الداخلية والخارجية.. من خلال تطوير البنية التحتية السياحية.. وتقديم حوافز للمستثمرين في هذا القطاع.. فالاستثمار في السياحة البيئية والسياحة العلاجية.. يمكن أن يجذب شريحة واسعة من السياح الباحثين عن تجارب مميزة.. إلا أن هذا القطاع يواجه تحديات كبيرة.. وخاصة فيما يتعلق بالمشاريع السياحية الصغيرة..
على سبيل المثال.. هناك العديد من المساكن التراثية التي يرغب أصحابها في تحويلها إلى مطاعم ومقاهي تراثية.. ولكنهم يصطدمون باشتراطات التنظيم والتراخيص المعقدة.. واحيانا غير الواضحة.. والتي تعيق تحقيق هذه الطموحات..

وفي مجال التكنولوجيا وريادة الأعمال.. يمكن دعم الشباب وتشجيعهم على دخول مجال ريادة الأعمال والتكنولوجيا.. وذلك من خلال توفير حاضنات الأعمال وتمويل المشاريع الناشئة.. هذا النهج يخلق فرص عمل جديدة ويعزز الابتكار في الاقتصاد المحلي..

لنأخذ مثالاً من تجربة رواندا.. الدولة التي نجحت في تحويل اقتصادها من اقتصاد متدهور.. إلى اقتصاد مزدهر.. من خلال التركيز على الصناعات الصغيرة والمتوسطة وتكنولوجيا المعلومات.. حيث قدمت الحكومة الرواندية حوافز ضريبية وتسهيلات للاستثمار في قطاعات الزراعة.. والسياحة.. وتكنولوجيا المعلومات.. الأمر الذي أدى إلى زيادة ملحوظة في الناتج المحلي الإجمالي..

فقد بلغ الناتج المحلي الإجمالي لرواندا حوالي 10.4 مليار دولار أمريكي في عام 2020.. مقارنة بحوالي 2.6 مليار دولار في عام 2000..
كما ارتفع متوسط دخل الفرد.. من حوالي 206 دولارات في عام 2000.. إلى حوالي 820 دولارًا في عام 2020..
فيما تراجعت نسبة البطالة.. من حوالي 17% في عام 2000.. إلى حوالي 14% في عام 2020..
أما بالنسبة لمعدل التضخم.. فقد انخفض بشكل كبير.. من 8.3% في عام 2000.. إلى حوالي 2.5% في عام 2020..

فبإمكان الحكومة الأردنية أن تشجع المواطنين على الدخول في مشاريع صغيرة ومتوسطة.. من خلال تقديم الامتيازات والحوافز المناسبة.. مثل تسهيلات القروض.. والتخفيضات الضريبية.. والدعم الفني والإداري.. هذه المشاريع لا يجب أن تتضارب مع السياسات الدولية.. أو تثير حفيظة الدول الكبرى.. بل على العكس تماما.. يمكن أن تكمل بعضها البعض.. وتساهم في تحقيق التنمية المستدامة..

وفي الختام اقول.. عبر اتباع هذا النهج البسيط والمستساغ.. يمكن للأردن أن يوازن بين الحفاظ على العلاقات الجيدة مع الدول المتقدمة.. وتخفيف حدة الفقر والبطالة.. مما يؤدي إلى تحسين الوضع الاقتصادي العام للبلاد.. ورفع مستوى المعيشة للمواطنين.. فالمشاريع الصغيرة والمتوسطة يمكن أن تكون السبيل لتحقيق هذا التوازن.. مع التركيز على الصناعات الغذائية المحلية.. والصناعات الحرفية التقليدية.. والسياحة بكافة اشكالها.. والتكنولوجيا وريادة الأعمال..

زر الذهاب إلى الأعلى