واحة الثقافة

ملتقى النخبة-elite يناقش (( المسؤولية الأدبية.. بين الضمير الأخلاقي والتأثير المجتمعي ))..

الشاهين الاخباري

في هذه الليلة وضمن حوارات ملتقى النخبة-elite الذي اصبح معلوما للكثيرين.. كان بعنوان..

(( المسؤولية الأدبية.. بين الضمير الأخلاقي والتأثير المجتمعي ))..

تشير المسؤولية الأدبية إلى الالتزام بالمعايير الأخلاقية والسلوكية المتفق عليها داخل بيئة مهنية أو اجتماعية معينة.. سواء كانت هذه البيئة منظمة مؤسسية أو اجتماعية.. وهذا النوع من المسؤولية يتعلق بتحمل الفرد للنتائج الناتجة عن أفعاله أو قراراته أو افعال أو قرارات من هو مسؤول عنهم.. سواء كانت إيجابية أو سلبية.. وتحمل العواقب التي قد تنتج عنها..
وتكمن أهمية المسؤولية الأدبية في بناء الثقة والاحترام بين الأفراد وتعزيز النظام والتنظيم داخل المؤسسات والمجتمعات..

حيث يتعلق هذا الأمر بالقيم والمبادئ التي ينبغي على الأفراد اتباعها في تفاعلاتهم وأعمالهم.. وذلك من أجل الحفاظ على مستوى عالٍ من النزاهة.. والاحترام المتبادل.. والتفاعل الإيجابي مع الآخرين..

نضع بين أيديكم هذه التساؤلات كمفاتيح للحوار..

– ما مفهوم المسؤولية الأدبية؟!..
– ما هو الفرق بين المسؤولية الأدبية والمسؤولية القانونية؟!..
– ما أهمية المسؤولية الأدبية في بناء الثقة والاحترام في العلاقات المهنية والشخصية؟!..
– ما هو نطاق المسؤوليات الادبية في مختلف البيئات اكانت عامة او خاصة.. وما هي اوجهها؟!..
– ما تأثير تحمل المسؤولية على الفرد والجماعة؟!..
– كيف يمكن أن تؤثر المسؤولية الأدبية على الثقافة التنظيمية داخل المؤسسة؟!..

المحامي سليمان ابراهيم الدباس.. قال في مداخلته..

الذوات الكرام
أسعد الله أوقاتكم بكل خير
نشكر اختياركم لمواضيع تهم الشارع العام ومنها موضوع المسؤولية الأدبية فبعد كل أزمة أو مشكله يمر بها الوطن ينتج عنها جدل واسع حول المسؤولية الأدبية والأخلاقية للجهة العليا التي تدير المؤسسة التي نتجت عنه هذه الحالة وقد يرافقه مغالطات وسوء فهم لفكرة هذا الموضوع.
فقد عرف القانون المسؤولية الأدبية على أنها إلزام ذاتي للشخص يضعه على نفسه بنفسه لا بل التزام أخلاقي من شخص نحو فعل أو عمل أو أداء قام به هذا الشخص وكونها تكمن في اقتراف شخص لأمر يسأل عنه أمام الله وأمام الناس ويحاسبه ضميره على ذلك.
فقد نصت المادة 267من القانون المدني على أنه كل تعد على الغير في حريته وكرامته وعرضه وشرفه يوجب الضمان الادبي ويلزم التعويض .
وان اخر الاخبار التي توجب المسؤولية الأدبية والأخلاقية هو ما حصل من وفاة أكثر من 100حاج مما يوجب على وزير الأوقاف بالمسؤولية الأدبية لعدم وجود حزم ورقابة مع شركات الحج وسماسرة الحج مما يوجب المسؤولية الأدبية بمواجهته فكان الاحرى عليه تقديم استقالته.
لأن عدم الالتزام بالمسؤولية الأدبية قد يحولها إلى مسؤولية قانونية بشقيها الجنائى والمدني
مما يوجب التعويض لمواجهته.

العميد المتقاعد المهندس احمد الحياري.. في مداخلته تحت عنوان “الجانب السلبي للمسؤولية الأدبية”..

ان تحمل المسؤولية الأدبية دلالة حضارية واضحة على سمو ورقي المدنية التي تمايز الأمم والشعوب
ومقياس تلسكوبي إذا جاز التعبير لمستوى ثقافة وشفافية الادارة في المجتمعات ..

ومداخلتي هنا للوقوف ومناقشة الجانب الاخر للمسؤولية الأدبية وهو الجانب الذي غالباً ما يؤدي إلى قتل الروح القيادية والمبادرات والبحث عن الجديد وقيادة التغيير البناء ..

فمن غير المقبول ان يكون التخوف من المسؤولية الأدبية مدعاة للتقاعس وإيثار السكون والتسكين ..

وبمعنى آخر لا تكون المسؤولية الأدبية سيفاً مسلطاً على رقبة المجتهد الذي يسعى للإبداع وصناعة التغيير وبالتالي تعزيز وخلق قيادات تتبنى نظرية “سلّك يومك” خوفاً من الخطأ الذي لا تخلو المبادرات الخلاقة من نسبة مؤية مقبولة منه وهذه النسبة وبسوء طالع قد تطغى على البقية ..

علينا التمييز بين الأخطاء من حيث دوافعها ومدى حجمها وتأثيرها والظروف المحيطة بها ..

وهل تم مراعاة قيام المسؤول باتخاذ الاجراءات السليمة والدراسات والتجارب اللازمة بمشاركة الكفاءات الصحيحة دون محاباة ..
ام كانت قرارات متسرعة غير مدروسة بعيدة عن الشفافية ودون مشاركة الخبرات واتخاذ كافة الاحتياطات ..

في كثير من الاحيان يكون اغتيال القيادات والشخصيات والمبادرات والكفاءات جريمة لا تغتفر بحق الفرد والمجتمع والأمة اجمع ..

وبرأيي هناك اخطاء حتى ولو حصلت فالأجدى والأقوم للإنتاجية ان نقدم الدعم والمساندة والتشجيع الايجابي لإعادة المحاولة والاستفادة من الأخطاء والتجارب الفاشلة ..
وان نكون عوناً ونصيراً لعلماءنا وقياداتنا التي ثبت كفاءتها وأمانتها وسلامة ونبل أهدافها ودوافعها ..
وان نقتدي بسنة نبينا عليه الصلاة والسلام
” إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران ، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر “

واخيـراً فإنه لا تقدم ولا تطوير ولا تغيير نحو الأفضل بدون مبادرات خلّاقة وجرأة في القرارات ..

اما البروفيسور نجيب أبو كركي.. رئيس جامعة الحسين بن طلال سابقا.. اوضح الامر من زاويته.. بما يلي..

أسعد الله اوقاتكم.
أن تكون هنالك نتائج متناسبة للمسؤولية القانونية بهدف الاسهام بالحماية والوقاية المستقبلية للمجتمع امر واجب إن نشأ الضرر نتيجة قرار خاطئ او عدم قرار يثبت أن من نتائجه وقوع الضرر باحتمالية عالية وكل هذا دون شطط وليس تحت ضغط الاحداث او بهدف التضحية بكبش فداء.

وفي الحالات الضبابية يترك موضوع المسؤولية الادبية لتقدير المسؤول المعني كرد فعل صحي وليس استجابة لضغوط او نتيجة هوس لطمع طامح طامع.
طبعا كل هذا يتطلب لاعتبارة تقدما في المجتمع جوا عاما يكافح اللاابالية على كل المستويات تتظافر به جهود الجميع للتفاني نحو خدمة الوطن والمواطن بعيدا عن الدوافع المصلحية المتناقضة مع كليهما بمعنى توفر المسؤول المقدر للمسؤولية والمواطن الواعي العقلاني الساعي لخدمة الوطن.

في كل الاحوال الوطن ليس بحاجة عند كل حدث لبورصة كولسات وحبكات تستهدف خاصة المسؤول المستقيم المخلص غير القابل للبرمجة لمصلحة شلة ما ضد مصلحة الوطن والمواطن باسم التحفيز المبالغ به على “المسؤولية الادبية”.

البروفيسور ياسر الشمالي.. عميد كلية الشريعة في الجامعة الأردنية سابقا.. تناول الامر تحت عنوان “المسؤولية الأدبية، خُلق رفيع نحتاج اليه”..

يرى الباحثون أن المسؤولية الأدبية “هي التزام أخلاقي” من الفرد نفسه، خارج إطار القانون، ينشأ عن الإحساس بالتقصير وعدم بذل الجهد الكافي لتلافي الأخطاء، فهي محاسبة ذاتية على ما وقع من تقصير أو فساد أو عواقب وخيمة في ظل مسؤوليته، تدل على الذوق الرفيع والتصرف الحضاري لإفساح المجال لمن هو أقدر وأكفأ
ومن هنا جاء قول عمر الفارق رضي الله عنه : ( لو أن دابة في العراق عثرت لخشيت أن يُسأل عنها عمر لِمَ لم تُصلح لها الطريق)
فهو شعور بالمسؤولية نابع من امتلاء القلب بالتقوى، وعقلانية كبيرة، ونظرة عميقة فيما يُناط بالمسؤول
وكلمة “مسؤولية أدبية” تقابل المسوؤلية القانونية، أو المسؤولية المادية، وذلك مثل أن يقال: ضرر أدبي( مثل خدش الشرف أو الحط من الكرامة)، يقابله ضرر مادي أو مالي
لهذا فهي لا يتحلى بها سوى العقلاء الأحرار أصحاب الذوق الذين يتشرف بهم الموقع، أناس ليس همهم جمع المال أو البقاء في المنصب بقدر ما يهمهم النهوض والقيام بالمسؤوليات والإصلاح، أناس لهم برنامج ولهم هدف، يقدمون المصلحة العامة على المصلحة الخاصة لهذا يبادرون بتحمل الخطأ وتحمل المسؤولية ولا يلتفتون إلى خسارة موقع أو مغادرة منصب
ومثل هذه النفسيات ترتقى بالمجتمع، فيصبحون قدوات، حيث يكرسون هذه الثقافة ويرسخونها لتصير ديدنا ومنهجا عاما
وتأتي هنا أهمية التربية الأسرية، وطريقة التعليم ومحتواه، والثقافة المجتمعية في ترسيخ هذا الخلق، أو فقدانه من المجتمع
ولعل في رسالة عمر رضي الله عنه لأحد ولاته ” لقد كثر شاكوك وقل شاكروك، فإما عدلت وإما اعتزلت” تعطي ضوءا، لأثر المسؤول الأول في ترسيخ هذا النهج، يعني ارجع لوازعك الداخلي وذوقك في البقاء أو الاعتزال ما دام أن الكثير من الناس ينتقدونك
ونعجب كثيرا حين نرى أن هذا السلوك موجود بكثرة في بلاد الغرب، ولا يوجد في بلادنا سوى القليل منه، فنظرت فوجدت أن من الأسباب:

  • أن هذا الخلق يلازم من يصل لموقعه بكفاءة وجدارة
  • أن سلطة الشعب، ووجود المحاسبة والرقابة والنقد الحر له أُثر كبير في هذا السلوك، لأنه لو لم يستقيل لوجد من يحاسبه أدبيا
    فإذا غاب مبدأ الكفاءة والنزاهة لصاحب المنصب، وغابت المحاسبة سواء من الشعب أو مجلس النواب، غابت المسؤولية الأدبية، وأحيانا تغيب المسائلة القانونية، وهذه قاصمة الظهر
    وفقنا الله جميعا لما يحب ويرضى.

اما الكاتب مهنا نافع.. فقد تحدث في مداخلته كما يلي..

أساتذتي
المسؤولية الادبية الأخلاقية هي على النقيض تماما من المسؤولية القانونية، وحتى نفهمها أكثر علينا بالبداية أن نفهم المسؤولية القانونية التي تتعلق بالإخلال أو بعدم الالتزام بمادة أو أكثر من مواد القانون المدني أو الجنائي، والذي إن ثبت ارتكاب أي من ذلك على الفرد فلا بد من عقوبة ستقع عليه محددة بوضوح بتلك المواد، أما المسؤولية الأدبية الاخلاقية فهي كما ذكرنا على النقيض تماما فلا نص أو مادة تقع على من أقر بها على نفسه، فهي التزام وتعهد يقيمه الفرد على نفسه بتحمل تبعات حدث ما لم لا يتوجب عليه أي تبعات قانونية.

فهي بالنهاية تعبير عن الحزن والأسف لفعل لم تطله منه أي عقوبة، إنما طالت أي ممن يرأسهم أو بسبب وقوع حدث ليس له أي تبعات قانونية على أي احد معين ولكنه يتبع لمؤسسته وكان له وقع اجتماعي غير محمود.

لا أحبذ أبدا أن يسبق تحمل المسؤولية الأدبية المسؤولية القانونية فهي الفيصل لتحمل الأولى، وكذلك سرعة الادلاء بتحملها قد تفهم بأنها فرضت على المسؤول لتهدئة الرأي العام، لذلك يجب التريث كثيرا قبل الادلاء بها.

السيد محمود ملكاوي.. شرح وجهة نظره بهذه النقاط..

■المسؤولية الأدبية من علامات رقي وتحضر الشعوب والامم ، وعند غيابها يعمّ الفساد ( البائن بينونة كبرى ) ، والظاهر للعيان كرابعة شمس النهار
■ولعله من نافلة القول أنّ الفشلَ والتَّقصير وهدر المال العام ، وإيهام الناس الإستثمار بمليارات الدولارات ( طفل لقيط لا أم ولا أب له) ، في حين أن إنجازاً بسيطاً متواضعاً هنا أو هناك – هو بالأصل واجب المسؤول – له ألف أب وأم! فالكل يتغنى به ويكيل له المدائح!
■اهتمًّ الإسلامُ بالتهذيب الجوهري للنفْس والقلب والفِكر ، فبصفائِها تؤمّن السلوكيات التطبيقية ، فالتصرف السليم الظاهر ينبع من الجوهر النقي الباطن ، لذلك نزلت آيات القرآن الكريم في أغلبها لتصفية القلوب بالإيمان ، وتزكيةِ النفس من النَزعات المفرطة ، وجاء الرسول ( عليه الصلاة والسلام ) وهدفه إتمام مكارم الأخلاق ، تطبيقًا واقعياً لتلك التعليمات القرآنية { كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ } / البقرة ـ 151
■في دولٍ ومجتمعات تسود فيها الشفافية وتحمُّل المسؤولة الأخلاقية والأدبية ، تجد المسؤول يتنحى جانباً ويعترف – في حال تقصيره أو وقوع مشكلة أوْ كارثة هو سبب في وقوعها – أوْ يتم إيقافه عن العمل لحين صدور قرار قضائي قاطع ، بينما في بلداننا نجد المسؤول المُقصِّر يفتعل المبررات ، حتى ولو على حساب الضحايا ، ولا يعدم وسيلةً للتبرير ، ولو انحى باللائمة على طيرٍ كبيرٍ حطَّ على أحد خطوط الضغط العالي فقطع الكهرباء عن بلد بأكملها !
■إنَّ قيام الشخص بتقديم استقالته مُتنحِيّاً عن موقع المسؤولية ، ملتزماً بها ، معترفاً بتقصيره ، وفاتحاً المجال أمامَ غيرهِ ممن يُفترضُ أنَّه أكثرَ كفاءةً على تحمُّل أعبائها ، هو تعبيرٌ عن امتلاكهِ الجُرأة الأدبية ليُحاسِب نفسَه أولاً قبل أنْ يحاسبه القانون والمجتمع ، وعادةً يُنظرُ لمن يتحمّل المسؤولية الأدبية بشيءٍ من الإحترام والتقدير
■انَّ تحمّل الفرد للمسؤولية الأدبية لا يعفيه من مبدأ المُساءلة عن تصرفه أمامً جهاتّ أعلى منه سلطةً ، طِبقاً لنوع وطبيعة الضّرر الذي نتج عن ذلك التصرف ، فقد يقع الضرر على فردٍ بعينه ، وقد يتعدى ذلك الأثر إلى مجموعةٍ أوسع أو المجتمع بأكمله ، أو يقع أثره على كل هذه المستويات معاً ، عندئذٍ يتغير نوع الجزاء ، فإذا كان التجاوز لقاعدة قانونيـة آمـرةً أو ناهيةُ يرتب عليها القانون عقوبة ، فالمسؤولية جزائية ، أما إذا تجاوز المـرء حـدود الاتفاق أو حدود ما التزم به قانوناً ، فالمسؤولية مدنية
■تنص المادة (55) من الدستور الأردني على أنه: “ يُحاكم الوزراء على ما يٌنسب إليهم من جرائمَ ناتجة عن تأديةِ وظائفهم أمام المحاكم النظامية المختصة“

اما المهندس نهاد المصري.. فقد خصص مداخلته للمنظور الاسلامي في الموضوع..

اسمحولي أن اخذ هذا الموضوع من الجانب الإسلامي الخلقي.
وأبدأ من هنا.

تُشكِّل الأخلاق في كل أُمة
أساس تقدُّمها، ورمز حضارتها، وثمرة عقيدتها ومبادئها، وقد جاءت الرسالات السماوية؛ لتحث الناس على الالتزام بالأخلاق، والإسلام العظيم يعتبر الأخلاق عنوانًا له، وقد حدَّد رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم الغاية الأولى من بَعثته بقوله: ((إنما بُعثت لأُتمم مكارم الأخلاق)).

ووصف الله سبحانه وتعالى رسوله بأنه على خُلق عظيم.

يهدف الإسلام في تشريعاته إلى صياغة الإنسان السوي صياغة تتجلى فيها الأخلاق الحميدة بمعيار الإسلام، وإذا تحرَّى المسلم هذا في حياته، كانت تصرُّفاته الاختيارية الصورة العملية لهذا الدين، وتأصَّل هذا في نفسه، وأصبح هيئة راسخة فيها، وبهذا المفهوم جاء ثناء الله تعالى على رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم بقوله: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ ، وعندما سُئِلت عائشة رضي الله عنها عن خلقه، قالت: “كان خلقه القرآن”.

فالأخلاق الحسنة هو أعظم ما تعتز به الأُمم، وتمتاز عن غيرها، والأخلاق تعكس ثقافة الأمة وحضارتها، وبقدر ما تعلو أخلاق الأمة، تعلو حضارتها، وتَلفت الأنظار لها، ويتحيَّر أعداؤها فيها، وبقدر ما تنحط أخلاقها وتضيع قِيَمها، تَنحَط حضارتها، وتذهب هَيبتها بين الأمم، وكم سادت أمة ولو كانت كافرة، وعلَت على غيرها بتمسُّكها بمحاسن الأخلاق؛ كالعدل وحفظ الحقوق، وغيره! وكم ذلَّت أمة ولو كانت مسلمة، وضاعَت وقُهِرت بتضييعها لِتِلْكُم الأخلاق!

فالأخلاق في الإسلام هي الدعامة الأولى في حفظ كِيان الأمم، ومن هنا كانت عناية الإسلام بالأخلاق تفوق كل عناية، وقد أكد الإسلام أن بقاء الأمم وازدهار حضارتها، إنما يُكفَل لها إذا ضمِنت العناية بالأخلاق، فإذا سقطت الأخلاق سقطت الدولة معها، وبهذا يُعد الخلق القوي هو الضمان الخالد لكل حضارة.

وهناك شروط للمسؤولية الأخلاقية:

أن الإنسان لا يمكن أن يكون مكلَّفًا إلا إذا توفرت فيه الشروط التالية، وهي:

أولًا: الإعلام والبيان؛ أي: إعلام الإنسان العاقل البالغ القادر، فيجب أن تصل إليه الدعوة؛ حتى تستيقظ الضمائر الغافلة، ولأن المؤاخذة لا تكون إلا بعد إرسال الرسل وقيام الحجة عليهم، وهذا لا يتم إلا بإعلام الإنسان بما هو مفروض وواجب عليه فعلاً أو تركًا، بمعنى أن الإنسان لا بد وأن يكون عالمًا بما هو مكلَّف به من الفضائل والرذائل.

ثانيًا: الالتزام الشخصي:
أي: الإنسان مسؤول مسؤولية كاملة عما يصدُر عنه من أفعال، فمسؤولية كل فرد واضحة جلية عن العمل الذي يقوم به؛ سواءً كان هذا العمل من أجْل نفسه، أو من أجل الغير؛ إذ هو لا يتحمل تبعة عمل إنسان غيره، ولكنه مسؤول عن الطريقة التي أتى بها هذا العمل أو ذاك، بعد أن عَلِم وتعلَّم سُبل الخير والشر.

وثالثًا: النية والقصد:
أي: إن من ضرورات العمل أن يكون مقصودًا مُرادًا؛ حتى يدخل في مجال المسؤولية الأخلاقية.

ورابعًا: حرية الاختيار:
أي: فلا يمكن أن تُوجَّه المسؤوليةُ إلى الكائن أو المخلوق الذي ليس لديه إرادة حرة يختار ما يريد

أهداف المسؤولية الأخلاقية:

والمقصود بأهداف المسؤولية الأخلاقية: المرامي والغايات التي تريد الوصول إليها وتحقيقها، وتنقسم إلى قسمين: الأهداف العامة، والأهداف الخاصة.

أما الأهداف الخاصة، هى أهداف المسؤولية الأخلاقية الخاصة هو بناء الإنسان الصالح، وبناء الأسرة الصالحة، وبناء المجتمع الصالح التي بدورها تنعكس كليا على الاهداف العامه.

هذا الموضوع شائك وأنا بدوري اكتفي بهذه المعلومات أن جاز التعبير.
ونترك المجال امام الآخرين
والله من وراء القصد.

البروفيسور خليل الحجاج.. قال في مداخلته..

بسم الله الرحمن الرحيم
الزميلات والزملاء الافاضل
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
فيطيب لي في حوار الملتقى المخصص هذا اليوم لموضوع كثيرا ما شكل نقطة اختلاف في وجهات النظر مثلما ظل في كثير من الاحايين مطلبا شعبيا افتراضيا يطل براسه وراء كل نتيجة تتعلق بحياة المواطنين او مسالة تشكل حالة راي عام كمسالة وفاة حجاج بيت الله الحرام بشكل لم نعتاد عليه .
الزميلات والزملاء الافاضل
ابتداء اود ان الفت نظركم ان المسؤولية الادبية عن نتائج افعالنا او نتائج مايخص أفعال ابناؤنا او عائلاتنا او الجيران او في القرية او المدينة مسولية متجذرة في حياتنا الاجتماعية الاردنية وبالتالي هي ليس مصطلح سياسي للاستعراض او التماهي وقد مثلت في العرف الاجتماعي اساساس دائم يعبر عنه بأشكال مختلفة وتعتبر حالات ( قضب الخاطر) ( واحترام الناس) والواجب والعطوة والجاهات ومايرد فيهما من كلمات بياض الوجه وسواد الوجه والاعتراف بماحصل والتعبير بالخزي عن الفعل والاستحياء مماحصل هي تعابير جميعها تعترف بالمسؤليةوكثيرا ماقام أفراد وحمائل وعشائر بمثل هذا الواجب اتجاه متضررين حتى لو كان الفعل ناتج عن مسؤولية وظيفية واعلان الاستعداد عن تحمل المسؤولية الادبية وحتى مايتبعها في العرف العشائري بهدف احترام الناس الواقع عليهم الضرر وتخفيف مصابهم وفتح المجال امام حلول سهلة اما مايتعلق بالمسولية الادبية التي يقصد بها جميع من يكتب المسولية الادبية للوزراء وأصحاب المواقع المسؤولة في باقي الدوائر الحكومية الكبيرة فقد اعتدنا وهو عرف ان تقوم به الدولة على سبيل المثال ماحصل في بعض المواقع الصحية في ظل الجائحة المعروفة بالكورونا والتقصير الذي حصل فقد لحظنا سرعة التواجد من أعلى الهرم في الاماكن واتخاذ الاجراءات الفورية وحفظ حقوق الناس وزيارة بيوتهم ودواوينهم وكذلك الحال بالنسبة للمصابين بحالات الارهاب واتعويض عليهم والتعزية والتواجد بين اهلهم للتعبير عن المسؤلية الجماعية والمصاب المشترك وغيرها الكثير الكثير ولذلك لابد من النظر الى مابعد ارنبة الانف والتوقف عن اللطم وجلد الدولة والمجتمع والعودة الى مسيرة المجتمع لتحليللها واستخلاص النتائج قبل الذهاب إلى الحكم واخيرا الفت نظركم لمانقوله في المحكية( العامية ) : انا مو عارف وين اودي وجهي ماذا تعني هذه العبارة ..وغيرها مماتحفظونه من حياتنا
تقديري واحترامي ومودتي

اما الدكتور عيد ابو دلبوح.. فكان رأيه ينصب حول اساس تحمل المسؤولية.. حيث قال..

بادئا ذي بدء فإن العنوان يتعلق بالمناصب الحساسة المفصلية والتي القرار والعمل فيها ذو مؤسسية ونتائجها الإيجابية والسلبية تكون ذات تأير واضح على مفاصل الدولة والمجتمع.

واساس هذا العنوان ينطبق فقط على الشخص الذي اعد هدف معين للوصول اليه وطلب تأييد المجتمع للوصول الى المنصب العالي في الدولة والتزم بتعيين مجموعة من الاشخاص

والذي يثق بقدراتهم ولديهم المعرفة التامة والالتزام بالهدف المنشود الوصول اليه، ولذلك فانه التزم بتعيينهم بناء على الكفاءة والعدالة ضمن الاطار الذي وضعه هو لكي يمثل شرائح المجتمع كافة وتوزيعها.

وحيث ان مفاهيم المسؤولية الأدبية والقانونية واهميتها وبناء الثقة والاحترام ونطاقها العام والخاص واثرها الشخصي والمجتمعي وتطبيق كل ذلك على كافه المؤسسات الوطنية العامة والخاصة والتي يكفلها القانون والذي يحمي حقوق الجميع من المنصب الكبير وحتى اقل وظيفة في اي مؤسسه، فان معظمها معروف لغويا ويسهل تطبيقه.

فاذا حاولنا تطبيق ذلك عندنا في الاردن فنجد ان الاسس اعلاه هي شبه مفقودة وبالتالي لا معنى اذن للعنوان.
حيث ان التفرد بالسلطة والقرار واحداث او تعديل القانون ومفروض على معظم ذوي المناصب العليا والذين لا يستلمون هذه المناصب الا من بعد التاكد بانهم لا يناقشوا او يعاكسون ما يريده ذو المنصب التنفيذي الاول.

من هنا لا معنى ولا اساس لوجوده اصلا في الاردن لأن مقومات وجوده معدومة ومن ثم لا يمكن تطبيقه لانه غير موجود في الاردن.
وبالتالي لا يمكن تقييم العنوان اعلاه في الاردن لانه سراب.

السيد ابراهيم ابو حويله.. تناول الموضوع بتشريح حسب طريقته.. فقال في مداخلته..

الموضوع ذو شجون والعالم اليوم يسير مسرعا في وضع وصف للوظيفة ، وكل الوظائف في القطاع العام والخاص يجب أن تكون محددة بوضوح ، بحيث يعرف الموظف ما هو مطلوب منه تحديدا ، وبعد ذلك يجب وضع محددات للإداء ، بحيث يدرك هل حقق الهدف المطلوب منه أم أن هناك أنحراف صغير او كبير بناء على هذه المحددات ، وهل هو في وضع حقق فيه التوقعات أم تجاوز هذه التوقعات ، ومقدار هذا التقدم أو التراجع.

العبارات الفضفاضة والمجاملات لا تصنع انجازا ، وكم شاهدنا من اولئك الذين دخلوا إلى الوظيفة العامة ، ومكث هناك أعواما وعقود بدون انجاز يذكر ، ومن ينكر ذلك عليه ان يعيد حساباته جيدا ، فالامر يتجاوز الظاهرة ، ولكن في المقابل هناك فئة حملت كل شيء على عاتقها ، وعملت بجهد وجد ، وكانت النتيجة أن عائد هذه الجهود كان فيه ظلم واضح ، فهذه الفئة التي تجلس بدون عمل يذكر أو انجاز تأخذ كما يأخذ هذا المجد والعامل ، وفي احيان اخرى يصيب نجيب محفوظ فيأخذون نصيب المجتهد .

عقدة العمل العام هي عقدة قديمة قدم الزمان ، حيث أن هناك فئة تستطيع الإستفادة من جملة من العلاقات والاختراقات والوصول إلى أهدافها على حساب غيرها ، وهناك فئة لا تحسن هذه الأساليب ، طبعا نعود هنا إلى نقطة أساسية جدا في التعامل المجتمعي والتصنيف المجتمعي هي عقلية الإنسان العربي .

وعقلية الإنسان العربي التي يجب ان تنضبط بضوابط الحضارة والمدنية والدين ، فهذه الثلاث تتفق على الانصاف والعدل والمكافأة بناء على العمل ، والترفيع بناء على الإستحقاق ، وتحارب المحسوبية والواسطة ، بل ويجعل الدين محاربة الظلم هو المقصد الإساسي والأسمى له ، وجعل الظلم الذي هو وضع الشيء في غير موضعه سببا في العقوبة والخسارة ، فعندما تضع الانسان في غير مكانه فقد ظلمت ، وعندما تمنح هذا الإنسان ما لا يستحق فقد ظلمت ، ومقصد الشرعية الأسمى هو اقامة القسط في الأرض .

ولكن لماذا ومقصد الديانات هو العبادة ، لماذا يحدد الدين الإسلامي تحديدا واضحا أن السموات والأرض والكتب السماوية والرسل هدفهم هو إقامة القسط والعدل والميزان في الأرض ، كما في سورة الحديد …
“لَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا رُسُلَنَا بِٱلۡبَیِّنَـٰتِ وَأَنزَلۡنَا مَعَهُمُ ٱلۡكِتَـٰبَ وَٱلۡمِیزَانَ لِیَقُومَ ٱلنَّاسُ بِٱلۡقِسۡطِۖ وَأَنزَلۡنَا ٱلۡحَدِیدَ فِیهِ بَأۡسࣱ شَدِیدࣱ وَمَنَـٰفِعُ لِلنَّاسِ وَلِیَعۡلَمَ ٱللَّهُ مَن یَنصُرُهُۥ وَرُسُلَهُۥ بِٱلۡغَیۡبِۚ إِنَّ ٱللَّهَ قَوِیٌّ عَزِیزࣱ”

لأن الأرض تحتاج إلى خليفة يا سادة ، خليفة لا يقدم مصلحته ومصلحة جماعته ومصلحة من يهتم لأمرهم على مصلحة الأخرين ، لأن ذلك هو بداية النهاية لأي مشروع ديني أو حضاري أو مدني ، وهذا تحديدا ما يجعل المجتمعات تكبر وتنمو وتتطور وتصل إلى مفهوم الإستخلاف الذي أراده الله من الإنسان في الأرض.

مسؤولية الإستخلاف هي ان تقوم بواجبك ووظيفتك على هذه الأرض حسب الوصف الوظيفي الذي وضعه الله لك ، قائما بالعدل ومحسن وقوي ويد عليا وآمر بالمعروف وناه عن المنكر ، لست بالإناني ولا النفعي ولا المتعصب ولا عديم الخلق ولا شديد القسوة ، عندها تسقيم الوظيفة العامة والجندية والإمارة والمسؤولية الأدبية والأخلاقية والإجتماعية والإنسانية.

عندها سيقف القائد وهو يرى بعين الجندي ، ويقف الأمير وهو يرى بعين المواطن ، ويقف المسؤول وهو لا يضع نصب عينه ما يدخل في جيبه ، وما يصل إلى جماعته ، ولكن يحرص على اداء الأمانة كما أرادها الله منه ، عندها لن تحاسب نفسك على KPI’s ولا Job Description.

ولكن ستقوم بالعمل على أساس الإستخلاف والإحسان والإتقان ، وعلى اساس المعية والرؤية المباشرة من خالق الأرض والسموات ، عندها فقط برأيي تحقق ما أراد الله منك.

فالله لم يرد البشر ملائكة مخصصة للعبادة ، ولكن العبادة حسب ما أرى وضعت ليستطيع الإنسان القيام بمسؤوليته الأخلاقية والإجتماعية والدينية على هذه الأرض ، ليست مقصدا بذاتها ، فمقاصد الشريعة مختلفة ، ولها مكان اخر للنقاش ، ولكن الخلافة والخليفة والقائم في هذه الأرض ، والساعي فيها بالعدل والإحسان والإتقان هو الهدف ، ” أني جاعل في الأرض خليفة “.

عندها من الممكن أن تجد وزيرا يستقيل لأن الوزارة حققت الهدف فقط ، ولكنها لم تحقق مفهوم الإحسان والإتقان ، وعندها ستجد مسؤولا يقدم استقالته لانه استنفذ ما عنده ولم يعد قادر على أن يعطي المزيد ، عندها من الممكن ان تجد مسؤولا يرد إليك راتبه لأنه لم يحقق الهدف الذي يسعى له مع أن أهداف الوظيفة تحققت.

صناعة الإنسان هي صناعة الدين والحضارة والمدنية والمسؤولية الإجتماعية والأخلاقية.

السيد بكر حمدان النسور.. قال في مداخلته..

المسؤولية الأدبية والقانونية
من الصعب بل ويصل لحد الاستحالة فصل الأدب والأخلاق عن القانون اذا ما كان هذا القانون يطبق على الجميع وبدون تحيز لصاحب منصب او مسؤول كبير أو حتى مدير صغير وموظف صغير في دائرة مهما كانت خاصه او عامة
الادب والأخلاق قيم مرتبطة بالدين والتربية السليمة والمبنية على مخافة الله في كل تصرف فمن يخاف الله يلتزم بالقوانين الموضوعة لتنظيم علاقات خلق الله
القانون لم يوضع للتباهي به بدون تنفيذ بل جاء تلبية لاحتياجات الناس على اختلاف مستوياتهم لذلك المسؤولية القانونية ملزمة ومخالفها يتعرض للعقوبة وقد تكون هذة الميزة التي تُفرق عن المسؤولية الأدبية النابعة من الداخل والقائمة على الوازع الديني والتربية والأخلاق ومخالفة الأوامر الربانية التي جاءت لتحكم العلاقات وتجعل فرق بين الملتزم والعاصي
لذلك المسؤولية الأدبية والاخلاقية لا تنفصل باي شكل عن المسؤولية القانونية باختلاف طبيعة العقوبة المترتبة على المخالفة
في النهاية النفس البشرية التي تُفرق بين الخطأ والصواب هي التي تتحكم بالتصرفات ولكن دون فصلها عن احترام القانون
المسؤولية واحدة باختلاف ما يترتب عليها من نتائج او عواقب

الدكتور منصور المعايطة.. اختصر رايه في ثلاث نقاط.. وتحت عنوان “المسؤولية المفقودة”..

١- بداية ان مفهوم المسؤلية بصورة عامة يعبر ان تحمل الشخص او المسؤول عواقب افعالة وأعماله وتصرفاته وسلوكة فيما تم تكليفه به من مهام ومسؤليات وواجبات

٢- تصنف هذه المسؤلية في كل دول العالم بمسؤولية قانونية وهي التي تستوجب مسألة قانونية وعواقب قانونية في للشخص او المسؤل اذا اخل بأمر او واجب يحاسب علية القانون . والانواع الاخر هو المسؤلية الأدبية او المعنوية وهي التي لا تخضع الى صيغة قانونية وانما مصدرها الشعور او الضمير في تحمل الشخص او المسؤل عواقب عدم انجاز واجب ما بحكم المسؤلية العامه .

٣- ان المسؤلين في اغلب دول العالم الثالث والاردن من ضمنها يفتقد عند المسؤلين نوعا المسؤلية سواء كانت قانونية او أدبية أخلاقية. لان المسؤل يعتبر نفسه فوق القانون بداية والبعض الاخر يعتبر انه محمى من المساءلة من جهات هي أتت به إلى موقع المسؤلية وعليها حمايته من اى تبعات.

اما السيد حاتم مسامرة.. فكانت مداخلته ردا على احد المتحاورين.. كما يلي..

المسؤولية الأدبية وحرية الإختيار

كما تقدم وتفضل المهندس نهاد المصري، بأن حرية الاختيار هي احد شروط المسؤولية الأدبية ، وأنا اعتبرها أهمها على الاطلاق ، وبدونها لا يمكن محاسبة الشخص على أفعال لا سيطرة له عليها ولا حرية له في عملها.

وفي الطرف الآخر، الكفاءة والتكليف، فلا يمكن محاسبة شخص غير كفؤ مع العلم المسبق بذلك، ولا يمكن كذلك محاسبة من تطوع لعمل أمر ما، دون تكليف مسبق ووصف دقيق للعمل المطلوب إنجازه، والآلية والوقت المطلوب وباقي الأمور المترتبة على ذلك.

لا يمكن مطالبة شخص مهما علا شأنه او صغر، بتحمل المسؤولية الأدبية عن أمر ما، دون توفير سبل ومتطلبات النجاح، او سؤاله عنها قبل تكليفه.
وإلا لأصبح محاسبة شخص عن نجاحه أو فشله، أمر شخصي وليس موضوعي، وبالتالي مطالبته بتحمل المسؤولية الأدبية غير منطقي بداية.

فيما شرح المهندس خالد خليفات.. وجهة نظره من خلال امثلة واقعية.. بهذه المداخلة..

الموضوع هام ومتشعب ويؤشر على العديد من مفاصل الحضارة وتقدم الأمم في تفاصيله وحتى في خطوطه العريضة . فليس بالضرورة أن تكون هناك مسؤولية مباشرة للمسؤول( تبدأ بالتحقيق وتنتهي بالإدانة) كي يقر بمسؤوليته ويتحمل تبعات الحدث!!!
فحين ينحني وزير الطاقة الياباني مدة عشرون دقيقة( هي زمن إنقطاع التيار الكهربائي عن المؤتمر الذي كان يتواجد فيه ) معتذرا ومتحملا مسؤولية الانقطاع حتى عودة التيار، فهذا مؤشر على منسوب عالي من الرقي والفهم العميق لحدود المسؤوليات !!! وحين يقدم وزير النقل في دولة ما استقالته بسبب تصادم قطارين، فهذا أيضا مؤشر على الرقي والحضارة والاحترام للشعب !!! أما مسألة تقزيم المسؤوليه في حوادث مؤلمه من أعلى الهرم الوظيفي لمستوى حارس الوزارة أوموظف درجة عاشره !!! فهذا هروب وتنصل من المسؤولية ، ويرقى إلى مستوى تحدي مشاعر الشعب وتعميق فجوة الثقة بين المواطن والمسؤول !!!
حدود المسؤولية – أي مسؤولية- ، إذا لم تختلط بوعي وانتماء وخلق وضمير حي وفهم عميق للواقع المعاش ولظروف البشر ، فهي لا تعدو عن كونها تكريسا للتسلط والجشع والنهب وتقاسم المكاسب والمنافع !!!!

الدكتور مصطفى التل.. تناول الموضوع من وجهة نظره تحت عنوان “المسؤولية الأخلاقية أم المسؤولية القانونية ؟!”..

يقولُ علي عزّت بيغوفيتش في تحفته الفكريّة “الإسلام بين الشّرق والغرب” : (إنّ كثرةَ القوانين في مجتمع ما وتشعّبها، علامة مؤكدة على وجود شيءٍ فاسدٍ في هذا المجتمع، وفي هذا دعوة إلى التّوقف عن إصدار مزيدٍ من القوانين والبدء في تعليم النّاس وتربيتهم!) …

إنْ كُنّا لا نسرق إلا لأنّ السّرقة تؤدي إلى السّجن فنحنُ عبيد! الأحرار يُحافظون على أموال الآخرين وأعراضهم ودمائهم لأنهم إن لم يفعلوا أساؤوا لأنفسهم قبل أن يُسيئوا إلى الآخرين وإلى المجتمع، عندما يقصدنا قريبٌ أو صديق طلباً للعون والمساعدة ونرفض، فإننا في مأمن من المحاكم ولكننا لسنا في مأمن من ضمائرنا! والمجتمعات التي يُولي فيها النّاس اهتماماً للقانون أكثر مما يولون لضمائرهم ستضطرُّ أن تسنّ كل يوم قانوناً، ولا ينقذُ المجتمعات إلا الأخلاق، وما نام عمر رضيَ الله عنه آمناً مطمئناً دون حُرّاسٍ حتى أدهش رسول كسرى إلا لأنه كان نبيلاً وخلوقاً لا لأن القوانين بيده! ( أدهم الشرقاوي ) …

الهدفُ من القانون هو استقرار النّظام في المجتمع، فغايته من هذا المفهوم نفعيّة، أما الأخلاق فغايتها مثاليّة، تنزعُ بالفرد نحو الكمال! وإن كان لا غِنى عن القانون حُكماً، إلا أنّه لا غنى عن الأخلاق لزاماً، والإسلام حين سنّ القوانين، ووضع الحدود، سعى قبل هذه الضرورة الاجتماعيّة إلى تربية النّاس تربية أخلاقيّة!

فالقانون لم يكن يُلزم عثمان رضي الله عنه أن يتبرّع بالقافلة عام الرّمادة، فليس للدّولة حقّ في ماله إلا ما يتوجّبُ عليه من زكاة، ولكن عثمان تنازل عن حقّه القانوني والتزمَ بواجبه الأخلاقي!

وعندما نام عليٌّ رضي الله عنه في فراش النبيّ صلى الله عليه وسلم لم يكن في الإسلام خدمة عسكريّة إجباريّة، ولا قانون محاسبة الفارّ من الجُنديّة، ولكن هذه الفدائيّة هي التزام أخلاقي لا شأن للقانون فيه!

ولم يكن القانون ليُعاقب أبا بكرٍ إن لم يشترِ بلالاً ويُعتقه، ولكن أخلاق أبي بكرٍ لم تكن لتسمح له أن يرى أخاً له في الله يُعذّبُ فوق رمال مكة الملتهبة ويتوسّدُ هو دراهمه!

وحين وقفتْ أمّ عمارة رضي الله عنها بشراسة كاللبؤة تذود عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، كانت تعلم أنّ القانون أسقط عنها مثل هذا، ولكن الأخلاق تجعلنا لا نسأل عن حقوقنا بقدر ما نسأل عن واجباتنا!

وحين تركتْ خديجة رضي الله عنها مالها كلّه لزوجها ينفقه كيف شاء، لم يكن قانون قريش يُبيح مال الزوجة للزوج، وما كان قانون الإسلام ليببح هذا أيضاً، ولكنّ خديجة علمت أنّ مثل زوجها لا يُمنعُ شيئاً، وأنّه من العيب أن يجتمع زوجان تحت سقف واحد، وفي سرير واحد، ثم يفترقان في حفنة دراهم!

وحين وقفتْ الشّفاءُ بنتُ عبد الله رضي الله عنها لعمرَ بن الخطاب رضي الله عنه يوم أراد أن يُحدد مهور النساء بعدما شهد مغالاة النّاس فيه، وقالت له: لا يحقُّ لكَ هذا! وتلت عليه قول الله تعالى “وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقا غليظا” . لم تكن موظّفة في المحكمة الدستورية العليا، ولا في مصلحة تشخيص النّظام، وإنما كانت على مستوى عالٍ من الأخلاق بحيث تقفُ لأحد أشهر العادلين في التّاريخ وتقول له: لا يحق لك!
( أدهم الشرقاوي )

خلاصة الامر من وجهة نظري الشخصية القاصرة : ان لم تقترن القوانين بالأخلاق الايمانية , فانها تضع المجتمع برمته بأزمة فكرية وتشريعية في آن واحد .
وهنا نخلص الى قضية ( البعد الديني ) في القوانين التي تطبق على عباد الله , فالفصل كما يقول العلمانيون او الإلغاء كما ينادي به الليبراليون , هو الذي وضع المجتمع الأردني برمته في أزمة قانونية انعكست على الأداء ومراقبته ومحاسبة النفس ….

النائب السابق.. وأستاذ العلوم السياسية.. الدكتور هايل ودعان الدعجة.. قال في مداخلته..

المسؤولية الادبية تجسد ثقافة اخلاقية وقيمية لا تجدها الا بشخص يتحلى بضمير انساني حي اشبه ما يكون باداة رقابية على اعماله وتصرفاته وممارساته تجسد رقابة ذاتية مقترنة بالاستعداد بالتضحية بكل شيء في سبيل التماهي مع هذه الثقافة التي يؤمن بها وتربى عليها ، بحيث يحرص دوما على اتخاذ المسار السليم والصحيح والايجابي الذي يتماهى مع المبادئ والقيم الانسانية التي باتت جزءا من شخصيته وتربيته وثقافته .. مما يجعله يمتلك من الجرأة والشجاعة ما يدفعه الى تحمل مسؤولية كل ما يقع في اطار المهام والاعمال التي يقوم بها وحتى الفريق او العاملين معه وتحت مسؤوليته .. ويزداد شعوره واستعداده لتحمل المسؤولية .. كلما كان موقعه الوظيفي على علاقة بالمجتمع ومصالح الناس ، ايمانا منه بان وجوده مرتبط بمدى الرضا المجتمعي والشعبي عن ادائه ، وحرصه على ان يكون عند حسن ظنهم وثقتهم .. واذا ما شعر للحظة ان هناك حالة من عدم الرضا هذه .. تصالح مع نفسه واحترم ذاته واقدم على تقديم استقالته .. مثل هذا النوع من المسؤولين الذي يقدم العام على الخاص هو الذي ينظر للمنصب على انه امانة ومسؤولية وان من يحدد مدى اهليته واستمراره فيه هو مدى نجاحه في اداء مهامه ، لذلك تجده يحرص على التفاني والاخلاص في عمله تأكيدا وتعزيزا لشعوره بحجم المسؤولية الملقاة عليه..

من جانبه فقد اختتم الدكتور نعيم الملكاوي الحوار بشكل تفصيلي كما يلي..

اسعد الله مساءكم جميعا.
اسمحوا لي ان اتحدث عن المسؤولية الأدبية والأخلاقية للموظف العام صاحب الدرجة العليا في السلم الوظيفي وتاثيرها على المجتمع….

تلعب المسؤولية الأدبية والأخلاقية دورا حاسما بحياة الموظفين العموميين خاصة اولئك الذين يشغلون مناصب ادارية عليا تتطلب هذه المناصب مستوى عالي من النزاهة والشفافية والمساءلة.

١ . فالمسؤولية الأدبية تعني الالتزام بالمبادئ والقيم الاخلاقية في اتخاذ القرارات وتصرفات ذلك الموظف بحيث تشمل النزاهة الصدق العدل والاحترام الوظيفي.
٢ . اما المسؤولية الأخلاقية فتعني التصرف وفقا للمعايير الاخلاقية والمهنية ذات المسؤولية العامة، اي الالتزام باللوائح والقوانين والانظمة في حماية حقوق الافراد وتحقيق المصلحة العامة .
وهذا يظهر لنا أهمية المسؤوليه الادبيه والأخلاقية للموظف العام
١ . بحيث تظهر الأهمية في تعزيز الثقة بين الموظفين العاملين الذين يلتزمون بالمبادئ الأخلاقية ويعززونها ممثلين للحكومات وبين المواطنين مما يرفع من مستوى الشفافية والنزاهة اللتان تساعدان في بناء علاقة قوية ومستدامة مع المجتمع.
٢ . وايضا تعزز ضمان العدالة والمساواة بحيث تتجلى بالالتزام بالمسؤولية الاخلاقية التي تساعد في تحقيق العدالة والمساواة في تقديم الخدمات ومكافحة التمييز والتعصب بين المواطنين.
٣ . وهذا ينتج عنه تحسين الاداء الاداري فالموظفون اصحاب المبادئ والاخلاق يعملون على تحقيقها بكفاءة عالية وفعالية في اداء واجباتهم وهذا يرفع من مستوى جوده الخدمات المقدمة وتحقيق الاهداف الاستراتيجيه للمؤسسات الحكومية.
وبالنتيجة يظهر تاثير المسؤوليه الأدبية والأخلاقية على المجتمع بشكل عام فنراها :
١ . تعزز الرفاه الاجتماعي
٢ . ترسخ مفهوم مكافحة الفساد.
٣ . تعزز التنمية المستدامة.
ولهذه الاخلاقيات استراتيجيات لابد من نهجها لتعززها وترسخها بين صفوف الموظفين العامين :
١. يمكن تحقيقها من خلال التدريب والتعليم.

  1. بناء ثقافة مؤسسية اخلاقيه.
  2. تعزيز دور القيادة بالقدوات.

من كل ذلك نخرج الى خلاصة ان المسؤولية الادبيه والأخلاقية للموظف العام خاصة في المناصب الادارية العليا تعتبر حجر الزاوية في بناء مجتمع عادل وشفاف ومستدام، من خلال تعزيز هذه القيم، بحيث يمكن للمؤسسات الحكومية تحقيق الثقة العامة وتحسين الاداء الاداري والمساهمة في رفاهية المجتمع والتنمية المستدامة.
بحيث يعتبر التعليم والتدريب وبناء ثقافة مؤسسية أخلاقية والقيادة بالقدوات من اهم الاستراتيجيات لتعزيز هذه المسؤولية.

زر الذهاب إلى الأعلى

You cannot copy content of this page