هرطقات في زمن بورصة التمثيل والنفاق..
محمود الدباس – ابو الليث..
نعيش في زمن أصبحت فيه القيم والمبادئ والاخلاف عملة نادرة.. بينما أصبح التمثيل والنفاق بورصة يتداولها الجميع من دون استثناء.. تلك البورصة التي تتبادل فيها المشاعر المزيفة.. والكلمات المنمقة.. والوعود الكاذبة.. أصبحت جزءاً من حياتنا اليومية.. تؤثر في علاقاتنا وتعاملاتنا الاجتماعية والسياسية..
وفي هذه العجالة.. ساحاول استعراض جوانب مختلفة من تلك البورصات المدمرة.. بدءاً من بورصة المشاعر.. مروراً ببورصة النفاق.. ولا بد من الوصول الى بورصة الكذب..
ففي بورصة المشاعر.. نجد ان المشاعر أصبحت سلعة تُتداوَل في سوق العلاقات الاجتماعية.. ونرى ذلك جليا في وسائل التواصل الاجتماعي.. حيث تُعرَض المشاعر على الملأ.. وتُستَهلك بكثافة.. مما يفقدها قيمتها الحقيقية ورونقها البهي.. حيث يعبّر الأشخاص عن حبهم وصداقتهم وولائهم بطرق تفتقر إلى الصدق النابع من القلب.. حيث تغدو الكلمات مجرد وسيلة لجذب الانتباه أو الحصول على الإعجابات.. تلك المشاعر المزيفة تجعل من الصعب التمييز بين الصدق والخداع.. وتؤدي إلى تدهور الثقة بين الناس..
فكم من الكلمات الفياضة بالمشاعر الزائفة انطلقت من اشخاص.. ولامست افئدة طيبة طاهرة.. وما هي الا مواقف بسيطة.. وانكشف بعدها زيف تلك المشاعر.. وتعرى فيها التصنع والتمثيل باقبح وجوهه واشكاله..
وبمرورنا ببورصة النفاق.. نجد ان الحديث عنها يطول.. فهنا تتجلى هذه الظاهرة المتفشية في كل جوانب حياتنا.. من الحديث اليومي الاعتيادي.. إلى السلوكيات والممارسات السياسية..
فنفاق الحديث يتجلى في المجاملات الزائفة والابتسامات الماكرة.. حيث يقول الناس ما لا يعنون.. ويسمعون ما لا يصدقون.. هذا النفاق يؤدي إلى تآكل العلاقات الإنسانية الحقيقية.. ويزيد من عزلتنا النفسية..
وفي عالم السياسة.. يتخذ النفاق أبعاداً أكثر خطورة.. حيث يصبح الأداة الأساسية لتحقيق المكاسب الشخصية على حساب المصلحة العامة..
ولاننا نعيش اجواء الانتخابات.. فان النفاق في الانتخابات له وقعه الخاص.. فنجد النفاق يتجلى بأوضح صوره..
المرشحون يقدمون وعوداً براقة.. ويظهرون بمظهر الأخلاق الفاضلة والتفاني في خدمة الشعب.. لكن الكثير من هذه الوعود سرعان ما تتبخر بعد الوصول إلى قبة البرلمان..
ناهيك عن نفاق الناخبين للمرشحين.. وقطعهم العهود لانتخابهم.. وما هي الا كلمات تذهب ادراج الرياح بعد افتراقهم.. والمصببة تكمن في الأيمان التي يقطعها بعض الناخبين للفائزين.. وانهم انتخبوهم.. وهم بالاصل لم يصلوا الصناديق..
واما النفاق في الحديث.. فيظهر في المجاملات اليومية التي قد تكون بعيدة كل البعد عن الحقيقة.. فالناس للأسف يقولون ما يعتقدون أنه ما يود الآخرون سماعه.. دون أن يكونوا صادقين في نواياهم.. وعلينا ان نعي.. بان هذه الظاهرة تخلق بيئة من عدم الصدق.. وكثرة الرياء.. حيث يصبح من الصعب معرفة من يمكن الوثوق به ممن يجب الابتعاد عنه..
ولن انهي قبل التعرض لبورصة الكذب.. فقد أصبح الكذب عملة متداولة في حياتنا اليومية.. سواء كان ذلك في الأحاديث البسيطة أو في القضايا الكبرى.. ففي العلاقات الاجتماعية.. يلجأ الناس إلى الكذب لتجنب المواجهة أو لإخفاء الحقائق المؤلمة.. مما يؤدي إلى تفاقم المشاكل بدلاً من حلها.. وفي عالم الأعمال والسياسة.. يصبح الكذب وسيلة لتحقيق الأهداف والنفوذ.. حيث يتم التلاعب بالحقائق وإخفاء المعلومات.. هذا الكذب المستمر يؤدي إلى فقدان الثقة بين الأفراد.. وبين المواطنين وحكوماتهم.. الامر الذي يهدد استقرار المجتمعات.. ويخلخل ركائز امنها المجتمعي..
في الختام اقول.. إن زمن بورصة التمثيل والنفاق يتطلب منا إعادة النظر في قيمنا ومبادئنا واخلاقنا.. والعمل على تعزيز الصدق والنزاهة والشفافية مع انفسنا اولا.. ومع الاخرين في شتى مناحي الحياة.. وعلينا ان نعلم.. بانه من خلال الصدق.. يمكننا بناء علاقات إنسانية حقيقية ومستدامة.. وتحقيق التقدم والنماء الاجتماعي والسياسي.. وعلينا أن نكون أكثر وعياً بأفعالنا وأقوالنا.. وأن نعمل على أن تكون مشاعرنا وكلماتنا انعكاساً حقيقياً لما نحمله في قلوبنا..