قطعوا الشجرة التي تحمل تاريخي
كامل النصيرات
على الشارع الرئيس المؤدّي إلى “قرية الكرامة” وأنت قادم من “الشونة الجنوبية” وبعد “كوربة عفّاش” بأمتار قليلة؛ كان هناك “شجرة دوم ضخمة”. هذه الدومة دامت لي خمسين عامًا.. كلّما مررتُ من هناك ومع أحد؛ أتوقّف عندها وأقول له: شايف هالسدرة.. تحمل تاريخي.. تحتها كنتُ أبيع البندورة وأنا في الصف الرابع الابتدائي كي أشتري خبزًا للعائلة فقط.. تحتها كنتُ أنسج أحلامي وأنا لحظتها بـ “شبشب بلاستك مقطّع” أو بـ “بوط أيضًا بلاستك” يلهب قدميّ في عزّ حرّ الغور الذي لا يرحم..!
حتى إن ابنتي “جيفارا” من كثرة ما رددتُ الحكاية لها؛ صارت كلّما اقتربنا منها تقول لي: بعرف بدك تحكيلي عن الشجرة اللي كنت تبيع تحتها..! وهديل؛ الزوجة والقاصّة كانت تقول لي: الله يعينك.. من كثرة ما كررتُ لها الحكاية..!
كانت الشجرة ضخمة.. بضخامة ما أريد .. ولكنها كلّ كانت تتضاءل.. كان هناك من يقص منها فروعًا ويلجم امتداداتها.. وأنا أيضًا كنت أتضاءل.. عندما كنت أقف عندها أشعر بأنها تفرح وتشعر بسعادة غامرة.. لم أكن ولدًا عاقّا لها إلّا بقدر غيابي الاضطراري..!
نعم كانت تتضاءل وأنا أتضاءل معها.. حتى كان الحدث الكبير قبل أيّام.. وجع “الديسك” يفعل أفعاله بي ولا يجعلني أسوق بشكل مستمر.. فتوقفتُ لا إراديًّا قبالتها وأنا عائد لعمان.. إني أتلوّى من الألم.. وجع لا يطاق.. وصارت منّي نظرة لا إرادية أيضًا إلى “الجال الثاني”.. يا الله.. يا أرحم الراحمين.. الشجرة جثةٌ هامدة.. وقد فعل بها المنشار الكهربائي فعله الإجرامي الحقير..! يا الله.. لم يعد لتاريخي أثرٌ في هذا الشارع الدولي الذي يمتدّ من سورية إلى العقبة..! يا الله.. لقد تمّ الأمر بوضح النهار..!
هي كانت تتضاءل وأنا أتضاءل.. هي الآن تمّ اقتلاعها؛ فهل سيحدث لي…………. لا لا.. أي منشار قادم إليّ..؟ من الذي قتل أمّي الشجرة.. من حوّلها إلى حطبٍ من أجل “زرب” أو من أجل دفءٍ كاذب..؟ أو من أجل أن يقول لي: سكّر بوزك ودحدلْ من هون..؟!