هل تجاوُزِنا عَن زَلّاتِهم.. مِن الوفاءِ المحمودِ.. أمْ المَذمومِ؟!..
محمود الدباس
هناك مَن حباه الله بأن يعمل جرد حساب لكل ما يصدر عنه.. او كل ما يتعرض في كل ليلة حين يضع رأسه على وسادته.. فيقيمها ويضع القرارات الموائمة لها بما يتوافق مع دينه.. ومع مبادئه وأخلاقه وعاداته السويّة..
وهناك من يعمل جرد حسابه في ايام وليالي رمضان.. مستغلا تصفيد الشياطين التي تزين له افعاله كبيرها وصغيرها.. طمعا في مكسب سريع.. او شهرة.. او تحقيق نجاحات يمكن ان تتم بغير الطريق الذي يسلكه.. فيستطيع ان يحكم على افعاله وتصرفاته بشكل دقيق.. ويحاسب نفسه.. ويعيد رسم الخطوط الحمراء للقادم من ايامه..
وعوداً الى العنوان الذي اخترته بناءا على نقاش مع صديق حول الزلات والسقطات.. ومن يصر عليها.. ومن يتراجع..
فقلت له إن من حديث رسول الله “انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا، فقال رجل: يا رسول الله، أنصره إذا كان مظلومًا، أفرأيت إذا كان ظالمًا كيف أنصره؟ قال: تحجزه أو تمنعه من الظلم فإن ذلك نصره”.. والذي استطيع ان اسقطه على هذا الامر..
فالوفاء المحمود للاخرين يكون ببذل كل المحاولات للابقاء على الود والعلاقة بينك وبينهم.. وذلك بالنصح والارشاد والتقويم لاي زلة او سقطة حتى لا تصبح طبعا مستساغا له..
واما الوفاء المذموم.. فهو عدم انتقادهم.. وبذل كل الوسائل للابقاء على العلاقات مع مسايرتنا لاخطائهم وزلاتهم وتزيينها اليهم.. وتشجيعهم عليها.. لابقائهم راضين عنا وقريبين منا..
وعلينا التيقن بأن هناك فرق كبير بين الزلة والاصرار عليها..
فالزلة تشير إلى الفشل أو الخطأ الذي يحدث بشكل غير متعمد او مقصود.. ويمكن أن تكون ناتجة عن عوامل متعددة مثل الخطأ في التقدير.. أو الظروف الخارجة عن السيطرة.. وعادة ما ترتبط الزلة بشعور بالإحباط أو اليأس.. ومحاولة اثبات الذات للخروج من هذا الشعور.. غير آبه بمآلات محاولاته..
فللأسف الشديد.. فإن غالبية مَن اعتادوا الزلات.. ولم يتراجعوا عنها.. ظانين انها امور بسيطة.. ما لبثوا ان اصبحت تكبر شيئا فشيئا دون ان يلاحظوا.. حتى اصبحت اخطاءا لا تُغتفر..
فكم سمعنا عن فاسدين كبار.. كانت بداياتهم عملية فساد ورشوة صغيرة.. واعتقدوها امرا بسيطا.. ويندرج تحت التجربة او الشطارة او الكسب السريع.. وحين اعتادوا على ذات الفعل.. وانكسرت رهبة الخوف من العقاب.. اصبحوا لا يتوانون عن الانخراط في أي عملية فساد.. كبُرت ام صغُرت..
وكم مر علينا اشخاص كان الواحد فيهم تحمر وجنتاه ويرتبك اذا ما ردت انثى بعبارات المجاملات والاطراء على منشور له على مجموعات التواصل الاجتماعي.. وكانت ردوده عليهن ببطابع الرسمية المطلقة..
وبعد فترة.. وحين اصبحوا يعطون انفسهم المجال للمجاملات والاطراءات.. وانكسر جليد الحياء والحشمة بينهم.. اصبحوا لا يتحرجون من مجاملتهن على العلن بكل مصطلحات الاعجاب وحتى الغزل.. والتعامل معهن بكل معاني الانفتاح..
فكما يقال.. إلف المنكر منكر..
فمن الطبيعي والغالب.. ان لا يرتكب انسان خطأ فادحا.. ويتجرأ لحد المجاهرة فيه من اول مرة.. وانما يكون بشكل تدريجي.. وكما يقال “اول الرقص حنجلة”..
فلننتبه من صغائر الزلات.. ولا ننجر خلف ما يزينه الشياطين لنا.. ولا نكابر في اثبات الرأي مهما كانت الوسيلة لذلك.. وعلينا ان نعلم ان كثيرا من الطرق المؤدية للكُفر هي العِناد..
وفي الختام علينا ان نعلم بان التجاوز عن الزلات.. يكون لِأناس كانت زلاتهم غير مقصودة.. وعلموا بها.. وعقدوا العزم على عدم تكرارها.. او حتى الاقتراب منها..
واما من وضع على قلبه وعينيه وأذنيه غشاوة.. واصر على صحة زلته.. فقد اختار الدخول في النفق ذي الاتجاه الواحد.. فهذا الذي يكون النُصح له مَضيَعة للوقت..