بايدن-نتنياهو وحل الدولتين والجرائم الإنسانية بالقطاع وخاصة ضد المرأة!
المحامي زياد أبو زياد
وبعد أن أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قبل بضعة أيام بأنه لن يسمح بإقامة دولة فلسطينية وأثارت تصريحاته ردود فعل غاضبة من الجانب الفلسطيني ومن عدد من الدول والقادة في العالم وتصريحات غير راضية من الجانب الأمريكي، وبعد فترة تجاوزت الثلاثة أسابيع قيل أنها كانت أشبه بالقطيعة بين بايدن ونتنياهو، اتصل الرئيس جو بايدن بنتنياهو وتحدثا أكثر من أربعين دقيقة خرج بعدها بايدن ليقول لوسائل الاعلام بأن نتنياهو يوافق على حل الدولتين وأن هذا الحل ممكن في ظل حكومة نتنياهو الحالية.
والرئيس بايدن إذ يعلن بأن بالإمكان تحقيق حل الدولتين في عهد حكومة نتنياهو الحالية إنما يؤكد للعالم أنه، أي بايدن، معزول عن الواقع أو أنه ساذج من السهل خديعته، أو أنه وبأكثر اللغات دبلوماسية “لا يقول الحقيقة.
فبالنسبة لنتنياهو ليست هذه هي المرة الأولى التي يتحدث فيها عن حل الدولتين منذ خطابه المشهور في جامعة بار ايلان بتاريخ 14/6/2009 وكرره بعد ذلك في عدد من المناسبات بما في ذلك أمام الجمعية العمومية في 2009 و2013 و2015. ولكن نتنياهو وقبل وبعد ذلك الخطاب لم يفوت أية فرصة ممكنة لإفشال حل الدولتين ولتعميق السيطرة الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية المحتلة بما في ذلك القدس من خلال تكثيف الأنشطة الاستيطانية وتكريس الضم من خلال فرض حقائق الأمر الواقع.
وأكثر من ذلك فإن أقرب الشركاء السياسيين لنتنياهو والعديد من القادة الإسرائيليين الذين عملوا مع نتنياهو يصفونه بالكذب وعدم احترام تعهداته ووعوده سواء أثناء التحالفات أو الائتلافات التي كان يعملها معهم أو خلال تهربه من تنفيذ تلك الاتفاقيات، كما أن شركاءه في الحكومة الحالية من حزب الصهيونية الدينية بقيادة سموترتش وعوتسمه يهوديت بقيادة بن غفير يرفضون أصلا ً السماح بمناقشة ماذا يمكن أن يحدث بعد الحرب على غزة ويعدون العدة لتهجير سكان القطاع الى سيناء وإعادة الاستيطان اليهودي للقطاع.
وبالتالي فإما أن بايدن متواطئ مع نتنياهو أو أنه مخدوع به وهذا أمر مستغرب. فكل ما يهدف اليه نتنياهو هو تقديم ضريبة كلامية ليشتري سكوت بايدن وهو يعلم بأن بايدن لا يستطيع عمل أي شيء جدي ضده لعدة أسباب من بينها أن بايدن على عتبة الانتخابات الرئاسية التي ستجرى بعد أقل من عشرة أشهر وهو الآن بحاجة الى التبرعات المالية لحملته الانتخابية من اليهود الأميركيين، والى الأصوات الناخبين اليهود الأمريكان وأنصارهم، وأنه في القريب العاجل سيصبح كما يقول الأمريكان “بطة عرجاء” Lame Duck يقتصر عمله على تسيير الأمور دون اتخاذ قرارات مصيرية.
ولا شك بأن محاولة بايدن ذر الرماد في العيون وممارسة الخداع والإيهام بأن نتنياهو تنازل عن أيديولوجيته اليمينية المتطرفة لمجرد أنه قاطعه ولم يتحدث معه طيلة ثلاثة أسابيع فأعلن تمسكه بحل الدولتين وتأييده لإقامة دولة فلسطينية هو خداع للنفس وليس للغير.
وبايدن بتسويقه لنتنياهو كرجل سلام يقبل حل الدولتين، وكذلك رفضه في نفس الوقت وقف اطلاق النار الفوري في قطاع غزة انما يعطي نتنياهو غطاء سياسيا ً وأمنيا ً ويوفر له المبرر لاستمرار الحرب التي تدور ضد شعبنا في غزة والتي يجمع كل الخبراء في القانون الدولي الإنساني بأنها حرب إبادة جماعية.
ولا شك بأن تسويق نتنياهو من قبل بايدن كشريك لحل الدولتين ورفضه لوقف اطلاق النار في غزة يعني استمرار المذابح اليومية ضد المواطنين العزل من السلاح نساء وأطفالا ً وشيوخا واستمرار قصف البيوت وهدمها فوق رؤوس ساكنيها. واستمرار تفكيك البنية الاجتماعية والثقافية والصحية للمجتمع الفلسطيني في غزة وامتهان للكرامة الإنسانية وإشاعة الفوضى والرعب وخلق أجواء ملائمة للظواهر المجتمعية السلبية وهي أعمال ينطبق عليها تعريف الإبادة الجماعية.
التواصل مع الكثيرين من الناس في القطاع ينقل لنا صورة قاتمة تتعدى حدود القتل والدمار. فالناس وخاصة في منطقة رفح والجنوب بشكل عام يعانون من التجويع والعطش والاكتظاظ السكاني وغياب أدنى الظروف الصحية المطلوبة. وأكثر الفئات معاناة هي المرأة وحاصة الحوامل اللواتي يفتقرن للغذاء والعناية الصحية، ومنهن من يلدن في البيوت أو الخيام أو الشوارع دون أية رعاية وعناية صحية بل وحتى ملابس للمواليد الجدد وبعضهن ونتيجة لسوء التغذية والعناية الصحية يلدن الأطفال الخدج قبل اكتمال فترة الحمل، ويعانين فيما يعانين من عدم توفر المياه للنظافة الجسدية أو غسيل الملابس، كل ذلك وهن يفتقرن لأدنى قدر من الخصوصية.
كل هذا أمام صمت مطبق من قبل المؤسسات النسوية العالمية اللاتي لطالما وعظت وتشدقت بحرية المرأة وحقوقها وبالاتفاقيات والمعاهدات الخاصة بالمرأة وها هي ترى اليوم المرأة في غزة تقتل وتجرح وتجهض وتداس كرامتها وتنتهك حقوقها وخصوصيتها وكأن الأمر أصبح روتينيا ً لم يعد يثير اهتمام أحد.
ولا شك بأن الرئيس الأمريكي بايدن الذي يصر على رفض وقف اطلاق النار يعتبر شريكا ً في هذه الحرب الى جانب إسرائيل ويتحمل جزءا ً كبيرا من المسؤولية عن هذه الانتهاكات التي تتم ضد حقوق الإنسان الفلسطيني وخاصة المرأة في القطاع بشكل خاص وفي الأراضي الفلسطينية بشكل عام.
والجرائم ولانتهاكات التي تتم بحق الانسان الفلسطيني في القطاع وخاصة النساء والأطفال والشيوخ لا تقتصر على كونهم ضحايا الأعمال القتالية وإنما تتعدى ذلك الى بعض الممارسات السلبية التي يقوم بها أفراد من الجيش الاسرائيلي. فقد وردت الكثير من الانباء التي تفيد بأن الجنود الإسرائيليين يقومون بنهب وسرقة الأموال والمقتنيات الثمينة من البيوت التي اضطر سكانها للهرب منها نتيجة للقصف، كما يقومون بإيقاف الهاربين ومصادرة أجهزة الهاتف النقال منهم وأية نقود يحملونها معهم أو مصاغ ذهبي. كما أنهم كثيرا ما يرغمونهم على التعري فيعتقلون البعض ويطلقون البعض الآخر وهم عراة. ما يجري في قطاع غزة هو أبشع وأكثر إيلاما ً مما يمكن وصفه، وهو وصمة عار في جبين من يقومون به، ووصمة عار في جبين كل من يبرره أو يسكت عنه، ولقد آن الأوان لأن يخرج الجميع عن صمتهم وأن يقفوا ليوقفوا هذه الجريمة الكارثية.