سردية الحدث الفلسطيني – قراءة أولى
الدكتور محمد محمود محاسنة
يلمس المتابع للفضاءات الإلكترونية انخفاضا في زخم وتواتر النشر المتعلق بالحرب الصهيونية على قطاع غزة ببعدها الجغرافي وعلى حركة حماس بعمقها الإيديولوجي، ومردُّ هذا الانخفاض إلى شعورنا بأن ما يجبُ أن يُقالَ قد قيل، وما يمكنُ أن يقالَ كذلك قد قيل، وبين الواجب والممكن تكمن نقطة صفرية لابد من إعادة التموضع فيها كي نحافظ على زخم خطاب الحرية والنصر وتواترهما.
وللتأكيد على أهمية إعادة التموضع الخطابي دعونا ننظر في سردية الرواية الصهيونية العاكفة على إعادة إنتاج المشهد الحقيقي لتحيله نصرا لها في المستويات السياسية واللوجستية والعسكري ليس آخرها، فالمطالع في الصحافة العبرية والصحافة الموالية لها يجدها تكرّسُ -كمّا ونوعا-مقولات الجيش الذي لا يقهر، ومقولات الدولة ذات الحظ الأوفر في الدعم العالمي، وتدعم كل ذلك وسائل إعلام رسمية وأهلية، جعلت وتجعل من قتلى الصهاينة مركزية –غير قابلة للنقاش- في تلك السردية، بل مصدر شرعية الحرب على غزة وحماس بالرمزية التي ذُكرتْ في بداية المقال.
وبالعودة إلى النقطة الصفرية للتموضع فيها، لا بد لنا –أقصد المؤمنين بعدالة القضية الفلسطينية-أن نحافظ على مركزية المنجز الحمساوي في سرديتنا العربية والعالمية، ولعل أهم أركانها أن الفعل الحمساوي لم يكنْ ابتدائيا، وإنما فعل اعتراضي، وليس عرضيا، بل رد فعل يستمد شرعيته من التاريخ –في حال تأجيل الحديث عن الشرعية الدينية-، فحتمية التاريخ تفرض على المحتل الموت، بل استمرار تعرضه لموجبات الموت، ما دام صاحب الحق مطالبا فيه وسيدوم.
أما الركن الثاني من أركان مركزية سرديتنا فهو شمولية الحق الفلسطيني –العربي، أي أن اختزال المشهد في غزة هو ضرب عبثي لإعادة إنتاج مفاهيم القضية الفلسطينية وفق منطق الجزئيات، وكأن الضفة الغربية والمقدسات الإسلامية والمسيحية صارت خارج معادلة الاحتلال الصهيوني، فالأمر محصور في غزة وغزة فقط، وهنا سأقول: يجب علينا جميعا –وهي مسؤولية تاريخية-أن نحافظ على وجهة النظر الشاملة للقضية الفلسطينية –العربية، هذا إذا أردنا أن نحافظ على سردية حقيقية لا تقبل النقض لا منطقا ولا واقعا.