التطبيع بين السعودية وإسرائيل والشأن الفلسطيني
زياد أبو زياد
بداية لا بد من الإقرار بأن موضوع تطبيع العلاقات بين إسرائيل والسعودية هو من أبرز المواضيع التي تتصدر وسائل الاعلام هذه الأيام.
ولا بد من الإشارة الى أن المساعي الأمريكية الحثيثة للتوصل الى اتفاق لتطبيع العلاقات بين العربية السعودية وإسرائيل تأتي في سياق تأهب الرئيس الأمريكي جو بايدن لخوض معركة الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي ستُجرى في شهر تشرين الثاني من العام القادم.
فالرئيس الذي يُعاب عليه كثرة الخطأ في أسماء الأشخاص والأماكن عند الكلام والتعثر في المشي وكبر السن، يبحث عن أسباب تعطيه الفرصة للتفوق على منافسه الجمهوري الذي تشير كل القرائن الى أنه سيكون الرئيس السابق دونالد ترمب رغم القضايا التي أقيمت ضده ومحاولات توريطه بتهم جزائية تحول دون وصوله للبيت الأبيض.
ويبدو أن بايدن يتطلع الى تحقيق اختراق مبهر على صعيد السياسة الأمريكية الخارجية، قبل انعقاد مؤتمر الحزب الجمهوري في آذار القادم لاختيار المرشح الجمهوري الذي سينافس بايدن، يتمثل في اعادة منطقة الشرق الأوسط وفي قلبها الصراع الإسرائيلي الفلسطيني الى مسار المفاوضات السياسية مع تحقيق انفراج عملي على الأرض وخارطة طريق جديدة تكسبه دعم وتأييد أعضاء الكونغرس من الحزبين يشكل في نفس الوقت عائقا ً أمام المساعي الصينية للتواجد على الساحة السعودية والإقليمية، يُضاف اليه ترُاجع الدور الروسي بسبب انشغال روسيا في حربها بأوكرانيا.
ولا بد من التنويه الى أن غالبية أعضاء الكونغرس من الحزبين الديمقراطي والجمهوريين لن يؤيدوا أية مقترحات أو خطوات يقوم بها بايدن ما لم يتلقوا الضوء الأخضر من إسرائيل، وبالتالي فلا بد من التعامل بمنتهى الحذر مع أية مقترحات أمريكية لتسوية الصراع لكيلا يكون ذلك على حساب الحقوق والمصالح الوطنية للشعب الفلسطيني.
ولا شك بأن هناك مصلحة أمريكية إسرائيلية في تحقيق التطبيع المنشود تنبع من اعتبارات سياسية خارجية تتعارض بل وتصطدم مع الاعتبارات الإسرائيلية الداخلية التي تملك القدرة على إنجاح أو إفشال المبادرة الأمريكية.
تصعيد خطوات التطبيع الأمريكية
والملاحظ أن الخطوة الأمريكية نحو تطبيع العلاقات السعودية الإسرائيلية تشكل تصعيدا ً في النشاط الدبلوماسي الأمريكي بالمنطقة وخطوة نوعية واسعة الى الأمام. فهي تأتي بعد محور العقبة شرم الشيخ الذي يسعى الى تعزيز التعاون الأمني بين السلطة وإسرائيل وتحقيق التهدئة الأمنية بالضفة الغربية، وبعد محور منتدى النقب الذي يضم مصر والمغرب والامارات بالإضافة لأمريكا وإسرائيل وما يسمى اتفاقات أبراهام لتوسيع مساحة التطبيع بين دول الإقليم واسرائيل. ولا شك بأن الهدف الاستراتيجي من كل ذلك هو إعادة صياغة العلاقات الإقليمية بالمنطقة لصالح أمريكا وإسرائيل.
ويبقى السؤال أين تقف القيادة الفلسطينية إزاء التحرك الأمريكي والى أي مدى تستطيع الاعتماد على الموقف السعودي في حماية الحقوق الوطنية الفلسطينية والى أي مدى تستطيع التأثير في ذلك الموقف، وهل ستسمح السعودية أصلا للجانب الفلسطيني بالتدخل في سياساتها وقراراتها حتى لو كانت تتعلق بالحقوق والمصالح الفلسطينية. فالهامش الذي تستطيع القيادة الفلسطينية التحرك فيه هو هامش محدود لا يتجاوز الوعود بالاستمرار في سياسة ضبط الأمور على الساحة الداخلية وتحقيق الحد الأقصى من الهدوء من خلال وقف عمليات المقاومة التي تدعي إسرائيل وأمريكا بأن ايران تقف وراءها وتمسك بخيوطها وتحركها، وهو اتهام يلقى هوى في النفوس السعودية التي تتعامل بأقصى قدر من الريبة مع أي عمل تكون لإيران أصابع فيه.
السعودية بين مصالحها الأمنية والتزاماتها القومية
ورغم محدودية القدرة الفلسطينية على التأثير في القرار السياسي السعودي بشأن التطبيع مع إسرائيل والذي ستكون له نتائج مصيرية بالنسبة للقضية الفلسطينية والحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني إلا أن بالإمكان استبعاد أي تفريط سعودي بحقوقنا سواء نظرا للدور التاريخي للمملكة العربية السعودية التي وقفت الى جانب الشعب الفلسطيني وأرسلت جنودها للقتال الى جانبه في الماضي، وهي صاحبة مبادرة السلام العربية التي تقدم بها الملك عبد الله الى قمة بيروت عام 2002 وأصبحت تُشكل حجر الزاوية بالنسبة للموقف السعودي من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وطرق انهائه. ناهيك عن أن المملكة العربية السعودية بقيادة الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي تتمتع اليوم بموقف متقدم على الساحتين الاقليمية والدولية بعد أن أثبتت إثر اندلاع الحرب الأوكرانية بأنها لا تخضع للإملاءات الأمريكية وطورت علاقاتها الدولية مع الصين وروسيا وفتحت قناة اتصال وحوار مع ايران عززت الدور الإقليمي للمملكة. ومع أخذ كل ما سبق بالاعتبار فإن من حق السعودية أن تحرص على مصالحها وأن تعمل مسترشدة بهذه المصالح في اطار المبادئ القومية التي أثبتت دائما ً حرصها عليها والتزامها بها. فمن حق السعودية أن تسعى لضمان أمنها الذاتي من خلال السعي للحصول على أسلحة وأنظمة دفاع متقدمة جدا ً تضمن لها تفوقا ً عسكريا ً على مستوى الإقليم، وتسعى لتوقيع اتفاقية دفاع مشترك مع أمريكا تُشكل رادعا ً لأية أطماع ايرانية تجاه السعودية، وبناء مفاعل نووي للأغراض السلمية مع الحرص على ألا يخضع ذلك المفاعل لأية هيمنة خارجية تتمثل بربطها بالتزود بالوقود بدولة أحرى كما هو الحال مع دولة الامارات ومصر مثلا ً ومنعها من التخصيب الذاتي للوقود النووي الذي يحتاجه ذلك المفاعل، ولكنها رفضت ذلك وتُصر على أن يتم تخصيب اليورانيوم ذاتيا أسوة بإيران.
ولا شك بأن تحقيق هذه المطالب السعودية ليس بالأمر السهل، فستعمل إسرائيل وأنصارها في أمريكا على أن يبقى أي تفوق عسكري سعودي تحت مستوى التفوق والهيمنة الإسرائيلية في الاقليم، كما أن توقيع اتفاق دفاع مشترك مع أمريكا يحتاج الى موافقة خاصة من الكونغرس الذي يسيطر عليه أنصار إسرائيل الذين قد يعملون على عرقلته ، ناهيك عن المعارضة الاسرائيلية العنيفة ضد تمكين السعودية من تكنولوجيا التخصيب الذاتي لليورانيوم بحجة أن ذلك يمكن أن يقربها من القدرة النووية وأنه في نفس الوقت سيفتح الباب أمام السباق النووي بالمنطقة. ومجمل القول هو أن حصول السعودية على ما تريده لقاء التطبيع ما زالت تواجهه بعض الصعوبات التي ليس من المستحيل تجاوزها.
مقترحات تتعلق بالشأن الفلسطيني
ومع ذلك فإن ما يتسرب من أنباء عبر وسائل الاعلام يفيد بأن هناك جهود واغراءات أمريكية تتعلق بالقضية الفلسطينية لدفع السعودية نحو التطبيع مع إسرائيل وهذه الجهود تتراوح بين ووعود بخطوات استعراضية كالإعلان عن التزام أمريكا بحل الدولتين والاعتراف بحق الشعب الفلسطيني بتقرير المصير وفتح قنصلية أمريكية في القدس الشرقية وإعادة فتح الممثلية (السفارة) الفلسطينية بواشنطن والموافقة على تغيير صفة ممثل فلسطين في الأمم المتحدة. واغراءات اقتصادية مثل تسهيل تحويلات أموال المقاصة والسماح بتطوير واستغلال حقل الغاز في غزة ومراجعة اتفاق باريس الاقتصادي.
وهناك مطالبة سعودية بأن تتعهد إسرائيل بتجميد الاستيطان والتوقف عن ضم أجزاء من الأراضي المحتلة وعدم إقامة بؤر استيطانية جديدة ووقف الاقتحامات الى مناطق “أ”، وتحويل أجزاء من منطقة “ج” الى “ب “ومن “ب “ الى “أ”، في حين تتحدث أمريكا عن خارطة طريق جديدة واتفاق مرحلي يؤدي الى عملية تفاوضية تفضي الى حل الدولتين، يتم في اطارها إقامة ميناء جوي وبحري في القطاع.
وسواء كانت هذه الأنباء صحيحة أو دقيقة أم لا، فإن العقبة الأساسية أمام أي انفراج تكمن فيما يمكن أن يحدث على الساحة الداخلية الإسرائيلية التي يسطر عليها اليمين الفاشي المتطرف الذي سيعمل على افشال أي خطة من هذا القبيل. وعلينا كفلسطينيين أن نظل نعمل كتفا ً الى كتف مع الأخوة السعوديين وأن نسارع الخطى نحو تحقيق الوحدة والتوفيق بين برنامج المقاومة والبرنامج السياسي وانهاء الانقسام لكي نكون قادرين على التحدث بصوت واحد وإرادة واحدة اذا ما واجهنا لحظة اتخاذ القرار المصيري بالرغم من أن فرص ذلك شبه معدومة.