صمت الأنين
نعيم ملكاوي
في أعماق الصمت يكمن أنين الرفض الجامح والصراخ العميق الذي لا يُسمع مترددًا في أروقة الأوجاع و زوايا الألم ، عندما يختار الشعب – الذين تعذّرت عليهم معاجم الكلمات للتعبير عن الغضب وابداء الرأي – يكون الصمت لغة العمل السياسي، قوة لا تُقهر يرتجف لها العالم وترتعد السلطات .
صوت الصمت ليس مجرد فراغ في الكلام او امتناع عن ترتيل الحروف ، بل هو صرخة نارية تعبّر عن رفض صلب معاند لكل ما يُنتهك به الحق وتُتجاهل به العدالة .
إنه الصمت الذي يشهد على جبروت القلوب وحداثة الأرواح ، المترجم للغة للمظلومين المتجاوزين حاجز الكلمات صوب الفعل الحي المحلِّق .
يأخذ الصمت عنوان الرفض عندما يتحول إلى منصة للصامتين الساكبين فيها جمرات الاستيقاظ و ندى الوعي ، وقودًا يُشعل نيران التغيير وينير دروب الحرية التائهة .
عندما يصمت الشعب تحت وطأة الإسكات والتحييد ، لا يكون ذلك انكسارًا بل تسامي لا يُغلب و مسيرًا لا يَرهب، وصمودًا لا تختزله كُليمات ، بل حالة تنمو في بحر لُجي حتى يخترق سناها الفضاء المُحاصَر.
الصمت في سياق العمل السياسي يتحول إلى لغة تجمع بين الوعي والرفض والتحدي منبعِثًا من عمق الوجدان الكسير ويصبح ترجمة لمشاعر الصحوة والتمرّد ، فيكون عندئذٍ سلاحًا ناعمًا يستخدمه أهل الصمت لشن هجومهم ضد من كانوا سبباً في تصنيمهم.
في زمن تراجعت فيه القيم واختزلت العدالة ، يصبح الصمت صرخة تعلو فوق أصوات الجبروت والفساد ، إنها صرخة تحث على تجاوز حدود الخوف وتحدي غياب العدالة بكل أشكالها ، فبعُلوِّ صوت الصمت ، يَختزلُ المجتمع أحلامه وآماله في تحقيق عالم أفضل وتكافؤ الفرص ، ويتحول إلى قوة لا يستهان بها في تغيير الواقع و بعث الحياة فيه من جديد .
في النهاية اقولها ، عندما يرتفع صوت الصمت ، يُراهَن على تفاوت المواقف ، تعبيرًا عن إرادة شعب قرر أن يتحدث من خلال عدم الكلام ، ليصبح الصمت قوة محركة تتغلب على الظروف وتغير كل قاتم قائم .
إنه الصمت الذي يعلو ليُذكِّرَ العالم بأن القوة لا تكمن فقط في الأصوات ، بل في الإصرار والعزيمة الجاعلة من الصمت بركاناً من ثرثرة لا تخمد وصدى لا يمكن أن يكبت فورانه الف جدار و سجَّان ، و عندئذ لا بد من وقفة يكون فيها الوطن الوسيلة و الغاية .
تلك لغة الصمت ذات الحروف المبعثرة ستتشكل كلماتها يوما إيذانا لفجر جديد يعتدل فيه ميزان الحق و ترجح فيه كفة الصمت على ضجيج من يراهن على طول البقاء و النعيم .