القيادة والحوار الوعر مع الإدارة الأمريكية
بقلم: المحامي زياد أبو زياد
يبدو أن هناك حوارا ً صعبا ً يجري هذه الأيام بين القيادة الفلسطينية والجانب الأمريكي. فالجانب الأمريكي يريد أن يكون الجانب الفلسطيني شاهد زور أو “زوجا ً محل” يعتصم بالصمت ويلتزم بالإملاءات الأمريكية في إطار ما تحيكه أمريكا وحلفائها في المنطقة.بينما ضاق الجانب الفلسطيني ذرعا ً باستمرار الممارسات الإسرائيلية والتواطؤ الأمريكي وتغاضيه عن تلك الممارسات. فالوفد الأمريكي الذي وصل الى المنطقة مؤخرا ً للإعداد لزيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن نقل للقيادة الفلسطينية رسالة استباقية تقول بأن عليها ألا تتحدث عن إعادة فتح القنصلية الأمريكية بالقدس، ولا عن إعادة فتح مكتب المنظمة في واشنطن، ولا عن إزالة المنظمة عن قائمة المنظمات الإرهابية، لأن الوقت ليس مناسبا ً ولأن الرئيس بايدن مشغول في قضايا عالمية وإقليمية أكبر وأهم بالنسبة للأمن والسلام العالمي.ويبدو أن القيادة الفلسطينية لم تقبل أو تتقبل هذه الرسالة، وهذا هو سبب التحركات الفلسطينية الأخيرة في الإقليم كزيارة الرئيس عباس للأردن وكذلك الاتصال الذي بادر إليه وزير الخارجية الأمريكي بلينكن مع الرئيس عباس يوم الخميس الماضي في محاولة لضمان الصمت الفلسطيني. وقد ذكرت وكالة “وفا” في تقرير لها نشرته صحيفة “القدس” يوم الجمعة 1/7 عن فحوى ذلك الاتصال فقالت إن الرئيس عباس “أكد ترحيبه بزيارة بايدن متطلعا ً لأن تُشكل هذه الزيارة محطة لتعزيز العلاقات الثنائية وأن تُسهم في تهيئة الأجواء لخلق أفق سياسي يحقق السلام العادل والشامل القائم على أسس الشرعية الدولية. وعلى أساس حل الدولتين على حدود 1967 وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي لأرض دولة فلسطين وعاصمتها القدس الشرقية.” ومضت وكالة “وفا” تقول ” بأن الرئيس أعرب عن أمله بأن تترجم هذه الزيارة ما يؤمن به الرئيس بايدن وإدارته من أهمية تحقيق حل الدولتين “.. واستمرت الوكالة في سرد المطالب الفلسطينية في سياق مضلل ٍ يبدو للقارئ وكأنه استمرار لما يؤمن به الرئيس بايدن وهو “وقف التوسع الاستيطاني، ومنع طرد الفلسطينيين من أحياء القدس، والحفاظ على الوضع التاريخي للحرم القدسي الشريف، ووقف الأعمال أحادية الجانب، وإعادة فتح القنصلية الأمريكية في القدس الشرقية، ورفع منظمة التحرير الفلسطينية عن قوائم الإرهاب. ”وأضافت بأن الرئيس قال لبلينكن “ان جميع الأعمال الأحادية وجميع الممارسات الإسرائيلية العدوانية تجاه شعبنا وأرضه ومقدساته يجب أن تتوقف، وخاصة الاقتحامات للمسجد الأقصى ومنع حرية العبادة في كنيسة القيامة، والاقتحام للمدن والقرى والمخيمات، وما يصاحبها من قتل للمواطنين وهدم للمنازل وتضييق الاقتصاد واقتطاع للأموال الفلسطينية وأن استمرار هذه السياسات يستدعي تطبيق قرارات المجلس المركزي.”معضلة الخطاب السياسي الفلسطينيومن مطالعة تقرير “وفا” نجد أن الإعلام الفلسطيني أو ربما الخطاب السياسي الفلسطيني لا يزال يعاني من مرض مزمن، يتمحور في أنه يتحدث دائما عما يقوله الجانب الفلسطيني سواء في المفاوضات أو في اللقاءات الرسمية المتعلقة بالمفاوضات دون أن يذكر شيئا ً عما قاله الطرف الآخر ردا ً على ما يقوله الجانب الفلسطيني.فلا شك في أن الرئيس عباس قال لوزير الخارجية الأمريكي بلينكن كل ما نسب إليه على لسان الوكالة ولكن الوكالة لم تذكر ولو كلمة واحدة عما قاله بلينكن سواء في بداية المكالمة أو ردا ً على ما قاله الرئيس.وإنصافا ً للحقيقة فإن كل التقارير والتحليلات السياسية والتصريحات والرسائل الأمريكية تؤكد بأن الفلسطينيين مغيبين عن جوهر برنامج الزيارة وأن اللقاء الذي سيعقده الرئيس بايدن من الرئيس عباس في بيت لحم ليس أكثر من لقاء مجاملة ربما تتخللها بعض المسكنات، وربما يُراد توظيف أسم بيت لحم لدى اليمين المسيحي الأمريكي في الحملة الانتخابية لانتخابات نصف الكونغرس التي ستُجرى في أواسط تشرين الثاني/ نوفمبر القادم وأن زيارة بايدن هي لإسرائيل وللشعب الإسرائيلي حسب قول بايدن نفسه وذلك لتكريس الهيمنة الإسرائيلية في الإقليم في سياق السعي لتعزيز موقف الحزب الديمقراطي في تلك الانتخابات.التاريخ يعيد نفسه والغباء يراوح مكانهوفي جميع الأحوال فإننا على مستوى الإقليم نعيش الأيام التي سبقت الحرب العالمية الأولى حيث تم تجنيد العرب آنذاك للدخول في الحرب ضد الدولة العثمانية بعد بيعهم الوعود الكاذبة، وعندما وضعت الحرب أوزارها وبدأ تقاسم التركة العثمانية أخل الغرب بوعودهم للعرب وبدأت المرحلة التنفيذية لإقامة الكيان الصهيوني على أرض فلسطين بدءا ً بوضع وعد بلفور موضع التنفيذ من خلال آلية الانتداب البريطاني وانتهاءً بإقامة إسرائيل.واليوم نعيش المرحلة الأولى من الحرب العالمية الثالثة والتي تتم الآن من خلال “الحرب بالوكالة” proxy war على أرض أوكرانيا. فالحرب هناك ليست حرب الشعب الأوكراني وإنما هي حرب بين أمريكا وأوروبا من جهة وروسيا بوتين التي تحاول إعادة بناء الاتحاد السوفياتي من جهة أخرى. وزيارة بايدن للمنطقة هي لتشكيل حلف أمني شرق أوسطي هو في الظاهر ضد إيران ولكنه في الحقيقة ضد روسيا لاستخدامه في اللحظة التي تتحول فيها إيران الى رئة تتنفس من خلالها روسيا حين يشتد من حولها الخناق والحصار. هذا هو الهدف الاستراتيجي من زيارة بايدن وأما الهدف المرحلي فهو الضغط على دول مجلس التعاون الخليجي لفتح أراضيها وأجوائها ومرافقها أم منظومة الأمن الإسرائيلي بكل مكوناتها خدمة للحلف آنف الذكر، ولكي تقوم أيضا ً بتكثيف انتاجها من النفط للتعويض عن نقص النفط والغاز الروسي لضرب الاقتصاد الروسي باعتباره أهم مقومات القوة الروسية. وهكذا وللأسف الشديد فإن التاريخ يعيد نفسه والغباء العربي يراوح مكانه بعد أكثر من قرن من الزمن.والسؤال: الى أين!نحن نواجه حالة من الجمود السياسي في إسرائيل نتيجة هروب قيادتها الى اجراء انتخابات في أواخر العام تمتد مضاعفاتها شهورا من العام القادم لتشكيل حكومة ائتلافية جديدة ستكون أسوأ من حكومة بينيت – لبيد المنتهية ولايتها، وعندما تتشكل الحكومة الإسرائيلية الجديدة في العام القادم ستحتاج الى شهور لتستقر وعندها ستكون أمريكا على بعد عام من الانتخابات الرئاسية المقرر اجراؤها يوم الثلاثاء الخامس من تشرين الثاني/ نوفمبر 2024 وهكذا سندخل في جمود آخر بسبب الانتظار لنتائج الانتخابات الأمريكية كما تعودنا منذ احتلال عام 1967. كل هذا بالتوازي مع حرب عالمية ثالثة تدور رحاها ولا أحد يستطيع اليوم أن يعرف أين سيكون العالم بأسره في العام القادم.ما أريد أن أقوله هو أن علينا أن نتحرر من وهم الجلوس على رصيف الانتظار لأمريكا وأن نأخذ أمرنا بأيدينا. وهذا يتطلب أولا ً وقبل كل شيء إعادة ترتيب البيت الداخلي من خلال انتفاضة سياسية داخلية تعيد بناء كل المؤسسات الرسمية وعلى أسس الشرعية الديمقراطية الانتخابية. وإذا لم نفعل ذلك، وأغلب الظن وللأسف الشديد أن المعوقات الداخلية المتنفذة لن ستسمح بذلك لأن مشكلة شعبنا على مدى تاريخه مع الصراع الصهيوني على أرض فلسطين هي في قيادته وليست فيه، فإن المستقبل قاتم مظلم ومع ذلك فإن شعبنا بطبيعته عصي على الاندثار وعنده مناعة طبيعية ضد الاستسلام للأمر الواقع، وعندها سوف “يمسح اللوح ويبدأ من جديد!”